أما الجذب : فهو قوة بها تنضم الأجزاء المكونة إلى بعضها وتتقارب حتى يتكون عنها جسم بسيط أو مركب ، وأما التماسك فهو قوة الجذب الحاصلة بين الأجزاء المتماثلة وهو في الجامدات أقوى منه في المائعات ، ؛ ولذا لا تنفصل أجزاء الصلب من بعضها إلا بعنف ، وأما الغازات فلا تماسك فيما بين أجزائها ، وأما الاتحاد ، فهو قوة الجذب الحاصلة بين الأجزاء الغير المتماثلة أي الغير المكونة الأجسام البسيطة ، ويكون بين جزءين وثلاثة وأربعة وكونه بين خمسة نادر.
(واعلم) أن القوة الحيوية ناشئة في جميع الأجسام وكل نوع من الأجسام النامية ناشئ عن تلك القوى ، فالقوة الحيوية منتشرة في جميع الكائنات غير أنها تكون في كل نوع بحسبه فيكون في كل مخلوق على حدته قوة حيوية مخصوصة ، وهي في الآدمي أتم وأكمل لكثرة الأعضاء فيه بدليل أننا إذا بحثنا عما تحته من الحيوانات إلى أن نصل إلى درجة النبات وجدنا أنه كلما تناقص عدد الأعضاء تناقصت تلك القوة حتى يصير في النبات مغايرة لها في الحيوان ، وكذا إذا بحثنا في النبات وجدنا أنه كلما تناقصت فيه الأعضاء تناقصت فيه تلك القوة حتى تنتهي إلى النباتات التي لا يشاهد فيها أعضاء تناسل ، فتكون القوة الحيوية فيها على حالة لا يعرف منها كون الجسم من النباتات أو الأحجار ، ثم إذا بحث عما هو تحت ذلك من الأجسام وجد أن بعضها لا أثر لتلك القوة فيه إلا في تبلور الأملاح فكانت القوة الحيوية في الأجسام انتهت في تبلور الأملاح. فالقادر الحكيم قد خصص كل جرم من الأجرام بقوتي الدفع والجذب على حسب ما جعل تعالى فيه من كثرة العناصر المركب منها فإن قال قائل : هل تقولون إن الله تعالى هو الخالق لهذه القوى؟ أو تقولون إنه تعالى خلق في السماء طبيعة مؤثرة وفي الأرض طبيعة قابلة فإذا اجتمعتا حصل ذلك في جميع الأجرام السماوية والأرضية؟! فالجواب أنه على كلا القولين لا بد من الصانع المختار ، وأنه هو الخالق لذلك على سائر الأحوال والأطوار ، وأما التفصيل فنقول : لا شك أن الله تعالى قادر على خلق هذه الأجرام ابتداء من غير هذه الوسائط ؛ لأن الجرم لا معنى له إلا أنه جسم قائم من عناصر بسيطة والعناصر مكملة من جواهر دقيقة ، والجسم قابل لذلك وعلى كل فإنه تعالى قادر على خلق هذه الأعراض في الجسم ابتداء بدون هذه الوسائط ، إلا أنا نقول قدرته على خلقها ابتداء لا تنافي قدرته عليها بسبب خلق هذه القوى المؤثرة والقابلة في الأجسام ، وظاهر قول المتقدمين إنكار ذلك ولا بد في ذلك من أدلة :
(أحدها) : أن الله تعالى إنما أجرى العادة بأن لا يفعل ذلك إلا على ترتيب وتدريج ؛ لأن المكلفين إذا تحملوا المشقة في جريان الفلك في البحر طلبا للرزق وأجهدوا أنفسهم في ذلك حالا بعد حال علموا أنهم احتاجوا إلى تحمل هذه المشاق لطلب هذه المنافع الدنيوية ؛