(وسادسها) : أن كل واحد من الكواكب مختص بلون مخصوص مثل كمودة ، زحل ودرية المشتري ، وحمرة المريخ ، وضياء الشمس ، وإشراق الزهرة ، وصفرة عطارد ، وزهرة القمر ، والأجسام متماثلة في تمام الماهية فكان اختصاص كل واحد منها بلونه المعين خلقا وتقديرا دليلا على افتقارها إلى الفاعل المختار.
(وسابعها) : أن العناصر البسيطة متكونة من أجزاء دقيقة ذات طبيعة واحدة ، والأفلاك مركبة من جملة عناصر ، وواجب الوجود لا يكون أكثر من واحد ، فهي ممكنة الوجود في ذواتها ، فكل ما كان ممكنا لذاته فهو محتاج إلى المؤثر ، والحاجة إلى المؤثر لا تكون في حال البقاء. وإلا لزم تكون الكائن ، فتلك الحاجة لا تحصل إلا في زمان الحدوث أو في زمان العدم ، وعلى التقديرين فيلزم كون هذه الأجزاء محدثة ، ومتى كانت محدثة ، كان حدوثها مختصا بوقت معين ، وذلك خلق وتقدير ، ويدل على الحاجة إلى الصانع القادر المختار.
(وثامنها) : أن هذه الأجسام لا تخلو عن الحركة دون السكون ، والسكون في كتلها بالنسبة لها وهما محدثان ، وما لا يخلو عن المحدث فهو محدث ، فهذه الأجسام محدثة وكل محدث فقد حصل حدوثه في وقت معين ، وذلك خلق وتقدير ، ولا بد فيه من الصانع القادر المختار.
(وتاسعها) : أن الأجسام متماثلة فاختصاص بعضها بالصفات التي لأجلها كانت سماوات وكواكب وأرضا ، والبعض الآخر بالصفات التي لأجلها كانت عناصر وحرارة وضوءا وهواء لا بد وأن يكون أمرا جائزا ، وذلك لا يحصل إلا بتقدير مقدر وتخصيص مخصص ، وهو المطلوب.
(وعاشرها) : أنه كما حصل أنه كما حصل الامتياز المذكور بين الأفلاك والعناصر ، فقد حصل أيضا مثل هذا الامتياز بين الكواكب وبين الأفلاك وبين العناصر ، بل حصل مثل هذا الامتياز بين كل واحد من الكواكب ، وذلك يدل على الافتقار إلى الفاعل القادر المختار.
(واعلم) أن الخلق عبارة عن التقدير ، فإذا دللنا على أن الأجسام متماثلة ، وجب القطع بأن كل صفة حصلت لجسم معين فإن حصول تلك الصفة ممكن لسائر الأجسام ؛ وإذا كان الأمر كذلك ، كان اختصاص ذلك الجسم المعين بتلك الصفة المعينة خلقا وتقديرا ، فكان داخلا تحت قوله سبحانه وتعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأعراف : الآية ٥٤].