بالتاء ، والدليل عليه أنك تقول : في تصغير ستة سديسة ، وكذلك الأسداس وجميع تصريفاته دل عليه ، والله أعلم.
(المسألة الثانية):
الخلق التقدير على ما قررناه ، فخلق السماوات والأرض إشارة إلى تقدير حالة من أحوالهما ، وذلك التقدير يحتمل وجوها كثيرة :
(أولها) : تقدير ذواتهما بمقدار معين مع أن العقل يقضي بأن الأزيد منه والأنقص جائز ، فاختصاص كل واحد منهما بمقدار المعين لا بد وأن يكون بتخصيص مخصص ، وبذلك يدل على افتقار خلق السماوات والأرض إلى الفاعل المختار.
(وثانيها) : أن كون هذه الأجسام متحركة في الأزل محال ؛ لأن الحركة انتقال من حال إلى حال ، فالحركة يجب كونها مسبوقة بحالة أخرى ، والأزل ينافي المسبوقية ، فكان الجمع بين الحركة وبين الأزل محالا ، إذا ثبت هذا فنقول : هذه الأفلاك والكواكب. إما أن يقال : إن ذواتها كانت معدومة في الأزل ، ثم وجدت. أو يقال : إنها وإن كانت موجودة ولكنها كانت واقفة ساكنة في الأزل ثم ابتدأت بالحركة.
وعلى التقديرين فتلك الحركات ابتدأت بالحدوث وهي حقيقة ابتدأت بالحركة مع ابتداء الحدوث والوجود في وقت معين مع جواز حصولها قبل ذلك الوقت وبعده وإذا كان كذلك ، كان اختصاص ابتداء تلك الحركات بتلك الأوقات المعينة تقديرا أو خلقا ، ولا يحصل ذلك الاختصاص إلا بتخصيص مخصص قادر مختار.
(وثالثها) : أن أجرام الأفلاك والكواكب مركبة من أجزاء صغيرة دقيقة ولا بد أن يقال : إن بعض تلك الأجزاء حصل في داخل الأجرام ، وبعضها حصل على سطوحها ، فاختصاص حصول كل واحدة من تلك الأجزاء بحيزة المعين وموضعه المعين لا بد وأن يكون بتخصيص المخصص القادر المختار.
(ورابعها) : أن بعض الأفلاك أعلى من بعض ، وبعض الكواكب حصل في المنطقة ، وبعضها في المدارين ، وبعضها في القطبين ، فاختصاص كل واحد منهما بموضعه المعين لا بد وأن يكون بتخصيص مخصص قادر مختار.
(وخامسها) : أن كل واحد من الأفلاك متحرك إلى جهة مخصوصة وحركة مختصة بمقدار معين مخصوص من البطء والسرعة ، وذلك أيضا خلق وتقدير ، ويدل على وجود المخصص القادر.