(مسألة مهمة)
في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨)) [النّحل : الآية ٤٨]. وفي الآية مسائل :
(المسألة الأولى):
قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) [النّحل : الآية ٤٨]. لما كانت الرؤية هاهنا بمعنى النظر وصلت بإلى ؛ لأن المراد به الاعتبار والاعتبار لا يكون بنفس الرؤية حتى يكون معها نظر إلى الشيء وتأمل لأحواله ، وقوله : (إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) [النّحل : الآية ٤٨]. قال أهل المعاني : أراد منشىء له ظل من فلك وجبل وشجر وبناء وجسم قائم ، ولفظ الآية يشعر بهذا القيد لأن قوله : (مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) [النّحل : الآية ٤٨]. يدل على أن ذلك الشيء كثيف يقع له ظل على الأرض.
وقوله : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) [النّحل : الآية ٤٨]. أخبار عن قوله : (شَيْءٍ) [البقرة : الآية ١١٣]. وليس بوصف له ، ويتفيأ يتفعل من الفيء ، يقال : فاء الظل يفيء فيئا إذا رجع وعاد بعد ما نسخه ضياء الشمس ، وأصل الفيء الرجوع ، ومنه فيء المولى ، وكذلك فيء المسلمين لما يعود إليهم من مال من خالف دينهم ، ومنه قوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) [الحشر : الآية ٦]. وأصل هذا كله من الرجوع. إذا عرفت هذا فتقول : إذا عده فاء فإنه يعدى إما بزيادة الهمزة أو بتضعيف العين.
أما التعدية بزيادة الهمزة فكقوله : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) [الحشر : الآية ٧]. وأما بتضعيف العين فكقولك : فيأ الله الظل فتفيأ ، وتفيأ مطاوع فيأ قال الأزهري : تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار ، فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشي بعد ما انصرف عنه الشمس ، والظل ما يكون بالغداة ، وهو ما لم تنله الشمس كما قال الشاعر :
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه |
|
ولا الفيء من بعد العشي يذوق |
قال ثعلب : أخبرت عم أبي عبيدة أن رؤبة قال : كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء ، وما لم يكن عليه الشمس فهو ظل ، ومنهم من أنكر ذلك فإن أبا زيد أنشد للنابغة الجعدي :
فسلام الإله يغدو عليهم |
|
وفيوء الغروس ذات الظلال |
فهذا يشعر بأنه قد أوقع فيه لفظ الفيء على ما لم تنسخه الشمس ؛ لأن ما في الجنة من