الظل ما حصل بعد أن كان زائلا بسبب نور الشمس ، وتقول العرب في جمع فيء أفياء ، وهي للعدد القليل ، وفيوء للكثير كالنفوس والعيون ، وقوله : (ظِلالٍ) [يس : الآية ٥٦]. أضاف الظلال إلى مفرد ، ومعناه الإضافة إلى ذوي الظلال ، وإنما حسن هذا ؛ لأن الذي عاد إليه الضمير. وإن كان واحد في اللفظ وهو قوله : (إِلى ما خَلَقَ اللهُ) [النّحل : الآية ٤٨]. إلا أنه كثير في المعنى ونظيره قوله تعالى : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الزّخرف : الآية ١٣]. فأضاف الظهور وهو جمع إلى ضمير مفرد ؛ لأنه يعود إلى واحد أريد به الكثيرة وهو قوله : (ما تَرْكَبُونَ) [الزّخرف : الآية ١٢]. هذا كله كلام الواحدي ، وهو بحث حسن ، أما قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) [النّحل : الآية ٤٨] ففيه بحثان :
(الأول) : في المراد باليمين والشمائل قولان :
الأول : أن يمين الفلك هو المشرق وشماله هو المغرب ، والسبب في تخصيص هذين الاسمين بهذين الجانبين أن أقوى جانبي الإنسان يمينه ، ومنه تظهر الحركة القوية ، فلما ، كانت الحركة الفلكية اليومية أخذة من المشرق إلى المغرب لا جرم كان المشرق يمين الفلك والمغرب شماله. إذا عرفت هذا فنقول : إن الشمس والقمر وسائر الكواكب تخرج كل يوم فوق الأفق جهة المغرب بعد أن يرسم كل منها قوسا في ممره ، ولا تصدر هذه الحادثة العجيبة إلا عن أحد شيئين :
أما عن دوران سائر الفلك في أربع وعشرين ساعة ، أو عن دوران الأرض في هذه المدة كما قلنا آنفا إن ما جاز على أحد المثلين جاز على المثل الآخر ، فمن كان واقفا وأمامه إلى الشمال يرى أولا الشمس عن يمينه قريبة من الأفق ، فإذا دارت ربع دورتها رأى الشمس فوق رأسه ، فإن تحولت في الدوران بنصفها بتمامه رأى الشمس عن يساره قريبة في جهة الأفق ، فإذا تحولت بالنصف الآخر اختفت عنه الشمس بكليتها ما دام هذا النصف في التحول ، ونظير الشمس غيرها من الأفلاك ، فالشمس عند طلوعها إلى وقت انتهائها إلى وسط الفلك تقع الأظلال إلى الجانب الغربي ، فإذا انحدرت الشمس من وسط الفلك إلى الجانب الغربي وقع الأظلال في الجانب الشرقي ، فهذا هو المراد من تفيؤ الظلال عن اليمين إلى الشمال وبالعكس ، وعلى هذا التقدير فالأظلال في أول النهار تبتدئ من يمين الفلك على الربع الغربي من الأرض ، ومن وقت انحدار الشمس من وسط الفلك تبتدئ الأظلال من شمال الفلك واقعة على الربع الشرقي من الأرض.
(القول الثاني) : إذا وقف شخص ، وجعل أمامه إلى أفق المشرق فكان يمينه نحو