دفعة لاحتلت المصالح ، ولكن قبضها يسيرا يسيرا يفيد معه أنواع مصالح العالم ، والمراد بالقبض الإزالة والإعدام
(المسألة الرابعة):
هو أنه سبحانه وتعالى لما خلق الأرض والسماء وقع الظل على الأرض كما قلنا ، ثم خلق الشمس دليلا عليه ، وذلك لأنه بحسب حركات الاضواء تتحرك الأظلال فإنهما متعاقبان متلازمان لا واسطة بينهما فبمقدار ما يزداد أحدهما ينقص الآخر ، وكما أن المهتدي يهتدي بالهادي والدليل يلازمه ، فكذا الأظلال كأنها مهتدية وملازمة للأضواء ، فلهذا جعل الشمس دليلا عليها.
وأما قوله : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) (٤٦) [الفرقان : الآية ٤٦]. فإما أن يكون المراد منه انتهاء الأظلال يسيرا يسيرا إلى غاية نقصانها كما تقدم ، فسمى إزالة الأظلال قبضا لها ، أو يكون المراد من قبضها يسيرا قبضها عند قيام الساعة ، وذلك بقبض أسبابها ، وهي الأجرام التي تلقى الأظلال وقوله : (يَسِيراً) [الانشقاق : الآية ٨]. هو كقوله : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) (٤٦) [الفرقان : الآية ٤٦].
(المسألة الخامسة):
وجه الاستدلال به على وجود الصانع المحسن أن حصول الظل أمر نافع للاحياء والعقلاء ، وأما حصول الضوء الخالص أو الظلمة الخالصة فهو ليس من باب المنافع ، فحصول ذلك الظل إما أن يكون من الواجبات أو الجائزات ، والأول باطل وإلا لما تطرق التغير إليه ؛ لأن الواجب لا يتغير ، فوجب أن يكون من الجائزات فلا بد له في وجوده بعد العدم ، وعدمه بعد الوجود من صانع قادر مدبر محسن يقدره بالوجه النافع وما ذاك إلا من يقدر على تحريك الأجرام العلوية ، وتدبير الأجسام الفلكية ، وترتيبها على الوصف الأحسن والتربيب الأكمل ، وما هو الا الله سبحانه وتعالى ، فإن قيل : الظل عبارة عن عدم الضوء عما من شأنه أن يضيء ، فكيف استدل بالأمر العدمي على ذاته ، وكيف عده من النعم قلنا : الظل ليس عدما محضا بل أضواء مخلوطة بظلم.
والتحقيق أن الظل عبارة عن الضوء الثاني ، وهو أمر وجودي ، وفي تحقيقه وبسطه كلام دقيق في عالم الخيال. والله الموفق ذو الإكرام والجلال.