الأول : أن المؤثر فيها لو كان علة موجبة بالذات لزم من دوام تلك العلة دوام آثارها ، فيلزم من دوام تلك العلة دوام كل واحد من الأجزاء المتقدمة في هذه الحركة ، ولما كان ذلك محالا ، ثبت أن المؤثر فيها ليس علة موجبة بالذات ، بل فاعلا مختارا ، وإذا كان كذلك وجب كون ذلك الفاعل المختار متقدما على هذه الحركات ، وذلك يوجب أن يكون لها بداية.
(والعاشر) : أنه ثبت بالدليل أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له ، بدليل أنا نعلم بالضرورة أنا لو فرضنا أنفسنا واقفين عند أول الفراغ الذي لا نهاية له لميزنا بين الجهات التي تلي قدّامنا وبين الجهة التي خلفنا ، وثبوت هذا الامتياز معلوم بالضرورة ، وإذا كان كذلك ثبت أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له ، وإذا كان كذلك فحصول هذا العالم في هذا الحيز الذي حصل فيه دون سائر الأحياز أمر ممكن فثبت بهذه العشرة المذكورة أن أجرام السماوات والأرضين محتلفة.
(المسألة الخامسة في بيان منافع السماوات):
اعلم أن منافع السماوات أكثر من أن تحيط بجزء من أجزائها المجلدات ؛ وذلك لأن السماوات بالنسبة إلى مواليد هذا العالم جارية مجرى الأب ، والأرض بالنسبة إليها جارية مجرى الأم ، فالعلل الفاعلة سماوية والعلل القابلة أرضية ، وبها يتم أمر المواليد الثلاثية ، والاستقصاء في شرح ذلك وبسطه لا سبيل إليه ، وأما قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : الآية ١]. ففيه مسائل :
(المسألة الأولى) :
لفظ جعل يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : الآية ١]. وإلى مفعولين كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزّخرف : الآية ١٩]. والفرق بين الخلق والجعل أن الخلق فيه معنى والتقدير ، وفي الجعل معنى التضمين والتصيير كإنشاء شيء من شيء تصير شيء شيئا ، ومنه قوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الأعراف : الآية ١٨٩]. وقوله تعالى : (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) (٨) [النّبإ : الآية ٨]. وقوله تعالى : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : الآية ٥]. وإنما حسن لفظ الجعل هاهنا ؛ لأن النور والظلمة تعاقبا حتى صارا كأن كل واحد منهما إنما تولد من الآخر.
(المسألة الثانية) :
ولفظ الظلمات والنور قولان :