المجاورة له ، فدرجة الحر لا ترتفع أبدا في أرض بعيدة عن البحر بمقدار ما ترتفع في الجزائر ، وبالجملة فالرياح تسبب الاختلاف في درجة الحر والبرد في الجو ما من تحمل الحرارة مما تمر عليه من أقسام الاستواء ، وأما من كونها تغطي حرارتها للثلج والجليد الذي تمر عليه وجميع الأجسام الحية تحفظ حرارة حيوية هي على التقريب بدرجة واحدة ، ولو اختلفت درجات الحر والبرد مهما اختلفت ، وهذه الدرجة في الجسم البشري تسعة وعشرون درجة ونصف ، وهذه الحرارة ثابتة غير متعلقة بالأجسام المحيطة بنا.
وأنواع الهواء أربعة :
(الأول : الهواء الحار اليابس):
اعلم أن الهواء الحار يكون يابسا إذا كان الماء الذي هو محتو عليه دائما في حالة التصاعد ؛ لأنه حينئذ ليس له ميل إلى أن يستحيل إلى سيال ، وأول نتائجه أن ينفذ منه في الرئة هواء متخلخل خفيف محتو على قليل من العناصر الجيدة للتنفس ، أقل من الهواء البارد الذي هو محتو على صفات مضادة لهذه الصفات ، وهذه النتيجة تختلف بحسب اختلاف درجات الميزان ، فالهواء الذي حرارته من خمسة عشر فأكثر إلى عشرين يزيد في قوة الأعضاء ، ويصير الوظائف أكثر حرية وسهولة ، والذي في درجة عشرين تكون هذه النتائج فيه أشد إلى خمسة وعشرين ، فيحصل لبعض الأشخاص تغير مزاج من الحر ، وبعض الأشخاص يحس ببعض تنبه ؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأمزجة ، فالذين مزاجهم لينفاوي يتحملون من الحر الشديد ما لا يتحمله الذين بنيتهم صفراوية أو دموية ، فإذا ارتفعت درجة الحر من خمس وعشرين إلى ثلاثين ظهرت أمراض قل عظمها أو كثر وانتفخت الأوردة وحصلت الاحتقانات المخية الخطرة ، ولا يتم التنفس إلا بعسر واستشعر بتعب عام وضعفت القوة العقلية وصار الجلد مركز الارتشاح غزير جدّا منه تواتر تجدد العطش ، ومالت القابلية للأغذية النباتية خصوصا المحمضة ، وللمشروبات الباردة المحمضة أيضا ، وقلة شهوة الأكل ، وحصل استعداد عظيم لقبول الأمراض المعدية المعوية والمعدية الكبدية وهزال عظيم في المجموع العصبي وضعف في قوة المعدة فلا تقدر إلا على تحمل الأغذية النباتية والمشروبات المحمضة والباردة ، فإن كان الميزان على الدوام آخذ في الارتفاع كما في البلاد الحارة جدّا كانت العوارض التي ذكرناها مشاهدة على الدوام ، وكانت حدتها أكثر منها في الأماكن المعتدلة ؛ ولذا يشاهد في تلك البلاد أن الأمراض التي من طبعها أن تكون شديدة الجدة تسري بسرعة إلى انتهاء مهلك ، وكثيرا ما يصحبها عوارض مخية ، وهذه المصاحبة دائما مخوفة ، وأصحاب الأمزجة اللينفاوية والذين فيهم داء الخنازير والمصابون بوجع من التهاب العضل