بكثير وقفت الحياة من قلة وجود المقدار الكافي من الهواء الصالح للاستنشاق ، وقد يخف ثقل الهواء أيضا من غير ارتفاع على الجبال كما في أيام الخمسين وذلك مما يصير به سكنى السهل أيضا سببا للأمراض ، وكلما خف ميزان الهواء أحس بعسر في النفس وتعب وهبوط وقلة نشاط في الحركات ومالت سائلات الجسم إلى التمدد بقوة دافعة لجدران الأوعية وانتفخت الأوردة ويحصب العرق من أدنى حركة ؛ فإذا كانت خفة ميزان الهواء دفعة بسرعة انتشرت جميع سائلات الجسم البشري وتهيأت ؛ لأن تثير فورانا في الدم فقد يتفق في مثل هذه الأحوال أن يحدث أنواع كثيرة من الفالج ومن النزيف الرئوي ، وللاحتراس من عظم زيادة خفة الهواء يجب تغيير الممكن وينبغي لأصحاب الأمزجة الدموية والصفراوية والمستعدين للتهيجات الرئوية وللأينورزمات القلبية أي ارتخاء القلب أن يسكنوا السهل والأودية ، كما أن من فيه داء الخنازير ومن مزاجه لينفاوي ومن جلده مضطر للتنبيه ينبغي له أن يفضل سكنى الأماكن المرتفعة على غيرها ، ومن مخه محتو على قوة عظيمة ومستعد للاحتقانات المخية ينبغي له أن يستعمل احتراسات خصوصية وقت انحطاط ميزان الهواء فيحترس حينئذ عن امتلاء المعدة من الأغذية المنبهة وعن الزيادة في الحركات العضلية العنيفة ، وأن لا يزعج دورة الدم بالملابس الزائدة في الضيق.
(الثاني) : السيلان تنشأ منه الحركات الموجودة في الهواء ، وبهذه الخاصية الطبيعية يتغير حوالينا في كل لحظة ويتجدد بسرعة عظيمة وبها تغير درجة ميزان الحر ، تكون حركات الهواء المسماة بالرياح ونتائج الأهوية التي تؤثر في الرئة ناشئة من تنوع درجات الحر والبرد ، وكذا التغيرات التي تحصل في الهواء الكروي من رطوبته ويبوسته وتأثيره في الأجسام ضررا أو نفعا يكون من جذبه الأبخرة الرديئة أو طرده لها ، وبالجملة فالرياح إذا كانت شديدة ، تحصل منها انزعاجات في المجاري التنفسية يمكن أن يتسبب عنها خوانيق والتهاب في القصبة والحنجرة ، خصوصا إذا كانت متكاثفة ومحتوية على قليل من عنصر الحرارة أو كان الشخص يجري أو يمشي بعجلة لجهة مضادة للريح.
(الثالث) : وهو الرطوبة واليبوسة للهواء الكروي : الرطوبة واليبوسة للهواء الكروي تنشآن من الحرارة والبرودة ، فحرارة الجو تكون على حسب استقامة الأشعة الآتية من الشمس للأرض وانعكاس تلك الأشعة من سطح الأرض ، فالأرض الحصباء والرملية لكونها أقل قدرة على تشرب الحرارة تعكس الأشعة أكثر من غيرها فتساعد على صيرورة درجة الحر أشد ، ودرجة الحر تهبط في كل ما ارتفع عن مسامتة البحر ، وكون الأماكن على نسق واحد في البعد عن خط الاستواء ، أو عن المناطق المعتدلة والباردة ، وميل الأرض نحو خط الاستواء أو نحو أحد القطبين ، مما يؤثر في درجة الحرارة ، وتصاعد أبخرة الماء يقلل اعتدال الأماكن