(المقالة الثانية والخمسون)
في قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) [سبإ : الآية ١٤].
اعلم أنه تعالى لما بين عظمة سليمان ، وتسخير الريح والروح له بين أنه لم ينج من الموت ، وأنه قضى عليه الموت تنبيه للخلق على أن الموت لا بد منه ، ولو نجا منه أحد لكان سليمان أولى بالنجاة منه.
(في بيان بعض شأن سليمان عليهالسلام ووفاته)
كان سليمان عليهالسلام يقف في عبادة الله تعالى ليلة كاملة ويوما تاما ، وفي بعض الأوقات يزيد عليه ، وكان له عصا يتكئ عليها واقفا بين يدي ربه ، ثم في بعض الأوقات كان واقفا على عادته في عبادته إذ توفى ، فظن جنوده أنه في العبادة ، وبقي كذلك أيام ، وتمادى شهورا ، ثم أراد الله تعالى إظهار الأمر لهم ، فقدر أن أكلت دابة الأرض عصاه ، فوقع وعلم حاله. وهذه الدابة هي السوس أي سوس الخشب من رتبة الحشرات ، فلا يمكننا أن نذكر في شأنها كلاما ما ، وعددها كثير جدا ؛ لأنه يدخل تحتها أكثر من خمسين ألف نوع ، وحياة الإنسان لا تكفي لدراستها جيدا بمفردها ، وهي إحدى الرتب المهمة بسبب تنوع أشكالها ولطافة ألوانها خصوصا الخصال والقوى الإلهامية الخاصة بكل نوع ، وتقسيمها إلى أقسام ثانوية مؤسسة خصوصا على صفات متخذة من جهازها الفمي وأجنحتها وأربطتها وقرونها وانقلاباتها ؛ منها الحشرات ذات الأجنحة الشبكية ، والنمل الأبيض ينسب لهذا القسم ، ومنها الحشرات ذات المنقار وذات المنقار أي الآلة التي تنقب بها هذه الحشرات النباتات لإحداث العفص ، ومنها الحشرات ذات الأجنحة القشرية ، وأبدان هذه الحشرات لها ستة أرجل وتقرض أوراق الأشجار والأزهار والجذور والأزرار والحبوب وتحدث إتلافا ، ومنها ما يقرض الجوخ والأقمشة التي من الصوف والفراء ، ومنها دود القز ، ومنها الحشرات الجناحية النصف وهذه الحشرات دودة الصبغ ودودة البلوط والبق وحشرة الملك وسوس الخشب المسمى بالدابة وسوس القمح ، وجنس القمل والقمل والحشرات الماصة كالبرغوث ونحوه ، ومنها ما سبق الكلام عليه مثل النمل والذراريح والنحل وغير ذلك.