وأما قوله : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ
يَقِينٍ) [النّمل : الآية ٢٢]. فاعلم أن سبأ قرئ بالصرف ومنعه وقد قرئ بسكون الباء ،
وعن ابن كثير في رواية (سبا) بالألف كقولهم : ذهبوا أيدي سبا. وهو سبأ بن يشجب بن
يعرب بن قحطان ، فمن جعله اسما للقبيلة لم يصرف ، ومن جعله اسما للشيء أو اللاب
الأكبر صرف ثم سميت مدينة يأرب بسبأ ، وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام ،
والنبأ : الخبر الذي له شأن.
وقوله : (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ) [النّمل : الآية ٢٢]. من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ ، وشرط حسنه صحة
المعنى ، ولقد جاء هاهنا زائدا على الصحة فحسن لفظا ومعنى ألا ترى أنه لو وضع مكان
ينبأ بخير المعنى صحيحا ، ولكن لفظ النبأ أولى لما فيه من الزيادة التي يطابقها
وصف الحال.
وأما قوله : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) [النّمل : الآية ٢٣]. فالمرأة بلقيس بنت شراحيل ، وكان أبوها ملك أرض اليمن
، وكانت هي وقومها مجوسا يعبدون الشمس ، والضمير في تملكهم راجع إلى سبأ ، فإن
أريد به القوم فالأمر ظاهر ، وإن أريدت المدينة فمعناه تملك أهلها.
وأما قوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النّمل : الآية ٢٣]. ففيه سؤال وهو أنه كيف قال وأوتيت من كل شيء مع قوله
سليمان وأوتينا من كل شيء فكأن الهدهد سوى بينهما؟ وجوابه أن قول سليمان عليهالسلام يرجع إلى ما أوتي من النبوة والحكمة ، ثم إلى الملك
وأسباب الدنيا ، وأما قول الهدهد فلم يكن إلا إلى ما يتعلق بالدنيا.
وأما قوله : (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) [النّمل : الآية ٢٣]. ففيه سؤال وهو أنه كيف استعظم الهدهد عرشها مع أنه
كان يرى من ملك سليمان ما هو أعظم؟ وأيضا فكيف سوى بين عرش بلقيس وعرش الله تعالى
في الوصف بالعظيم؟
والجواب عن
الأول يجوز أن يستصغر حالها إلى حال سليمان ، فاستعظم لها ذلك العرش ، ويجوز أن
يكون لسليمان مع جلالته مثله كما قد يتفق لبعض الأمراء شيء لا يكون مثله عند
السلطان ، وعن الثاني أن وصف عرشها بالعظيم تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء
جنسها من الملوك ، ووصف عرش الله بالعظيم تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من
السماوات والأرض. واعلم أن هاهنا بحثين :
(البحث الأول) :
أن الملحدة
طعنت في القصة من وجوه :