سليمان أكانت ذكرا أم أنثى فافحم ، فقال أبو حنيفة رضي الله عنه : كانت أثنى فقيل له : من أين عرفت؟ فقال من كتاب الله تعالى ، وهو قوله تعالى : (قالَتْ نَمْلَةٌ) [النّمل : الآية ١٨]. ولو كان ذكرا لقال قال نملة وذلك لأن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى ، فيميز بينهما علامة نحو قولهم : حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي وقرئ (نملة) يا أيها النمل بضم الميم وهو الأصل كالرجل ، وتسكين الميم تخفيف منه كالسبع في السبع ، وقرئ بضم النون والميم.
وقيل كانت نملة عرجاء تمشي وهي تتكاوس فنادت بما قالت فسمع سليمان ـ عليهالسلام ـ كلامها من ثلاثة أميال.
وقيل : كان اسمها طاخية ، وقرئ (مسكنكم).
وقوله تعالى : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) [النّمل : الآية ١٨]. نهى في الحقيقة للنمل عن التأخر في دخول مسكنكم ، وإن كان بحسب الظاهر نهيا له عليه الصلاة والسّلام ولجنوده عن الحطم كقولهم : لا أرينك هاهنا فهو استئناف أو بدل من الأمر كقول من قال :
فقلت له : ارحل لا تقيمن عندنا
لا جواب له فإن النون لا تدخله في السعة.
وقرئ (لا يحطمنكم) بفتح الحاء وكسرها وأصله لا يحطمنكم.
وقوله تعالى : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [الأعراف : الآية ٩٥]. حال من فاعل يحطمنكم مفيدة لتقييد الحطم بحال عدم شعورهم بمكانهم حتى لو شعروا بذلك لم يحطموا ، أو أرادت بذلك الإيذان بأنها عارفة بشؤون سليمان وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام من عصمتهم عن الظلم والإيذاء.
وقيل : استئناف. أي فهم سليمان ما قالته والقوم لا يشعرون بذلك.
(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) [النّمل : الآية ١٩] تعجبا من حذرها واهتدائها إلى تدبير مصالحها ومصالح بني نوعها ، وسرورا بشهرة حاله وحال جنوده في باب التقوى والشفقة فيما بين أصناف المخلوقات التي هي أبعدها من إدراك أمثال هذه الأمور ، وابتهاجا بما خصه الله تعالى من إدراك همسها وفهم مرادها.
روي أنها أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء ، فأمر سليمان عليهالسلام الريح فوقفت لئلا يذعر حتى دخلن مساكنهن.