فلو اقتصر الزبان على وخز الجلد فقط لا يعقب الجرح بأدنى ضرر ، لكن هذه الآلة يمر فيها قليل من السم ، والذي يثبت أن سم النحل هو الذي يحدث الألم والالتهاب في الجزء المصاب ، ويحدث من تأثير اللدغ خطرا قليلا أي ألما لا يدوم وأحيانا تنشأ عنه حمرة أو غلغموني ، ومتى بقي الزبان في الجرح يصير التهيج أقوى ، وإذا لدغ الإنسان بجملة من النحل في آن واحد يحصل له من ذلك خطر ، فقد ذكر أن رجلا مات من لدغ جملة من النخل في صدره ووجهه.
(المقالة الخمسون)
في قوله تعالى : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [النّمل : الآية ١٨].
اعلم أن قوله : (قالَتْ نَمْلَةٌ) [النّمل : الآية ١٨]. معناه أنها تكلمت بذلك ، وهذا غير مستبعد فإن الله تعالى قادر على أن يخلق فيها العقل والنطق ويعرف بفكيه العلويين المثلثين المسننين وبفقد الزبان ؛ لأن له غدة تفرز سائلا حمضيا وهو الذي يقذفه على أعدائه ، ونبتدئ برؤية (١٣) الحشرات التي ليست ذكورا ولا إناثا في النمل ؛ لأن أعضاءها التناسلية ليست إلا على الحالة الأثرية ، والواقع أن البحث الدقيق في النمل يدلنا على ثلاثة أنواع وهي : الذكور والإناث ، وكل منهما له أجنحة إلا أنها قابلة للسقوط والنمل الذي ليس بذكر ولا أنثى ، وهو لا أجنحة له ويعتبر إناثا لم تكتسب مبايضها نموها التام ، وهذه الحشرات أعني الأخيرة هي التي تشتغل بمفردها في صناعة مسكن النمل ، وتهتم بتربية الدود ، وتجمع الغذاء الضروري للإناث والذكور ، ولصغارهما التي تتولد من الدود متى استحال الدود إلى نمل لا تمكث الذكور والإناث في المسكن إلا الزمن اللازم لنمو أجنحتها ، فحينئذ تخرج من مسكنها ، وتتناسل في الهواء ، ثم تموت الذكور التي تعرف بسهولة ؛ لأنها أصغر حجما من الإناث بكثير ، فلا تدخل في مسكنها الأول ، وأما الإناث فتذهب بعيدا وتبيض بيضها بعد أن تزيل أجنحتها بواسطة أرجلها ، ومع ذلك فبعضها يبيض بيض في المسكن الذي ولد فيه ؛ لأن النمل الذي ليس بذكر ولا أنثى يوصلها إليه ويزيل أجنحتها ؛ لأجل منعها من الذهاب.
وعن قتادة ـ رضي الله عنه ـ أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم. وكان أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ حاضرا وهو غلام حدث ، فقال : سلوه عن نملة
__________________
(١٣) قوله : نبتدئ برؤية ... إلخ. كذا بالأصل ، وحرر. اه.