سيال ثقيل يتكاتف ويتخلل لا رائحة له ولا طعم من أحد وعشرين جزأ من الأوكسجين ، وتسعة وسبعين جزأ من الأزوت ، وهو النقي الصالح لأن يكون المستنشق في كل محل وفي كل إقليم ، وأما تأثيراته الرديئة فتكون من الخواص الطبيعية والكيماوية التي تعرض له ، فالخواص الطبيعية ناشئة إما من المياه الحامل هو لها وإما من كثرة الحرارة النافذة فيه وقلتها وأما من الضوء وإما من النار الكهربائية المنتشرة فيه قليلة كانت أو كثيرة ، والخواص الكيماوية ناشئة من المواء المعلقة فيه كالأبخرة الصاعدة من الجواهر المعدنية والنباتية والحيوانية في حالة النتانة والفساد.
المبحث الثالث في خواصه الطبيعية ونتائجها :
خواص الهواء هي الثقل والسيلان والرطوبة واليبوسة والكهربائية :
(الأول) : وهو الثقل اعلم أن الهواء إذا استخرج بواسطة الآلة الهوائية من قدح مثلا التصق القدح بقوة على السطح الذي يكون موضوعا عليه ، وما ذاك إلا من كبس الهواء ، بثقله على السطح الظاهر ، وإذا فتح القدح من أي جهة نفذ الهواء بقوة فيقلع القدح من على السطح ، وهذا يثبت أن الهواء يثقل على الجسم من كل جهة من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل ، وثقل عمود الهواء الذي يتحمله بدن الآدمي يبلغ ثلاثا وثلاثين ألف رطل وستمائة كل رطل عبارة عن ستة وتسعين درهما ، كل درهم عبارة عن اثنتين وسبعين قمحة ، ينقص وثقل الهواء ينقص كلما ارتفع عن محاذاة البحر ، ويزيد كلما نزل في مغارات على حسب عمقها ، والرئة وباقي الجسم يحس باختلاف ثقل الهواء ؛ فإذا كثر ثقل الهواء كان التنفس سهلا كاملا ، وتأثيرا مقدار عظيم من الدم في ذلك الوقت من فعل الهواء الكروي فيه ، واستحالته إلى دم شرياني فيكتسب جميع الجسم استعدادا طبيعيا كثيرا وقدرة على تحمل الرياضيات الشديدة وعلى دوامها ، وتكتسب جميع الأعضاء قوة واضحة ، ودون ثقل الهواء الذي يكون في محاذاة البحر ثقل الهواء الذي يكون في الجبال المتوسطة في العلو ، والتنفس فيها يكون عسرا مزعجا متواترا ، ودورة الدم أعجل والحركات أسرع والوجه أكثر لونا والقابلية أشد والهضم أسهل ، لكن السكنى في هذه المحال تهيئ نفث الدم والالتهابات الرئوية الحارة ، وإن حصل نقص عظيم في ثقل الهواء كما في الجبال المرتفعة جدا عن محاذاة البحر تواتر التنفس جدا مع سرعة وتلهب وتواتر النبض أيضا وأحس بتغير المزاج تغيرا عموميا وضعف عظيم ، ويشاهد في هذه الحالة عوارض أخر مثل النزيف من الأنف والأذنين ، وجميع العوارض المذكورة تحصل من خفة الهواء على سائلات الجسم ومن ميل تلك السائلات إلى الخروج خارج الأوعية المنحصرة فيها ، فإذا صعد إلى ما هو أعلى من ذلك