مجلسا إلا رواه عنه ، ثم قال : فاعلم يا أخي أنك إنما تعاشر البهائم والسباع فبالغ في الحذر والاحتراز.
(القول الرابع) : إن الله تعالى أرسل إلى كل جنس منها رسولا من جنسها واحتجوا عليه بأنه ثبت بهذه الآية أن الدواب والطيور أمم ، ثم إنه تعالى قال : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : الآية ٢٤]. وذلك نص في أن لكل طائفة من هذه الحيوانات رسولا أرسله الله إليها ، ثم أكدوا ذلك بقصة الهدهد وقصة النمل وقصة النحل وسائر القصص المذكورة في القرآن العظيم.
ثم اعلم أنك لو تأملت في كل طائفة من هذه الطوائف لوجدت فيهم ترتيبا حكيما من الرئاسة والقضايا والله أعلم.
وأما طوائف الطيور فستة ، وهي الطيور الجارحة والطيور الدورية والطيور المتسلقة والطيور الدجاجية والطيور الشاطئية ، والطيور ذوات الأرجل الكفية ، وهذه الحيوانات فقرية السلسلة بياضية ذات دم حار ودورة مزدوجة ، وتنقسم وذات رجلين ، تعيش في الهواء الذي تبقى فيه بواسطة طرفيها المقدمين ، أي الجناحين ورئتاها غير المنقسمتين المثبتان على الأضلاع مغلفتان في غشاء ذي ثقوب منسدة بترك الهواء ينفذ منه في تجاويف الصدر والبطن السفلى والإبطين ، بل وفي تجويف العظام بحيث إن هذا الهواء يغمر سطح الأوعية الرئوية فقط ، بل يغمر أيضا سطح عدة أوعية من باقي الجسم ، وحينئذ فالطيور تتنفس بفريعات الأبهر كما تتنفس بفريعات الشريانين الرئويين ، وكل من شدة قابليتها للتهيج وازدياد حرارتها ناشئ من سطح تنفسها المتسع ومن مقدار تنفسها والطرفان المقدمان المعدان للطيران يستعملان للارتفاع في الهواء ، وحيث إنهما لا يخدمان للوقوف ولا لتناول الأغذية تكون الطيور ذات رجلين وتتناول الأغذية من الأرض بفمها ، والعنق والمنقار يستطيلان لكي يمكن وصولهما إلى الأرض ، والذنب قصير جدا ، لكنه يوجد عليه صف من ريش متى انبسط يعين على حمل الطير في الهواء ، والحواس توجد كلها في الطيور لكن بعضها يكون قليل القوة فحاسة اللمس تكاد تكون مفقودة من الجلد ؛ لأنه مغطى بريش وحاسة السمع ضعيفة ؛ لأن الأذن يوجد لها من الظاهر إلا فتحة بدون الصيوان الذي يجمع الأصوات ويقربها ، والطيور الليلية كالبوم مثلا وهي الوحيدة التي لها صيوان ظاهري ، لكنه لا يكون بارزا كصيوان ذات القوائم الأربع ، وحاسة الذوق فيها ضعيفة جدا ؛ لأن أغلب الطيور تزدرد غذاءها بدون أن تمضغه ؛ لأن لسانها مختلف الصلابة وحاسة الشم قليلة القوة أيضا فعضوها ، يبتدئ إلى الظاهر بفتحتين صغيرتين موضوعين في الجزء العلوي للمنقار ، ولكن بعض الطيور كالعقبان