(والثالث) : أنه تعالى قال في صفة الملائكة : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [فاطر : الآية ١]. فذكر هاهنا قوله : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : الآية ٣٨]. ليخرج عنه الملائكة ، فإنا بينا أن المقصود من هذا الكلام إنما يتم بذكر من كان أدون حالا من الإنسان لا بذكر من كان أعلى حالا منه.
(السؤال الرابع) :
كيف قال : (إِلَّا أُمَمٌ). مع أفراد الدابة والطائر؟ والجواب : لما كان قوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ) [الأنعام : الآية ٣٨]. على معنى الاستغراق ، ومغنيا عن أن يقول وما من دواب ولا طيور. فلا جرم حمل قوله : (إِلَّا أُمَمٌ). على المعنى.
(السؤال الخامس) :
قوله : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام : الآية ٣٨]. قال الفراء : يقال لكل صنف من البهائم أمة ، وذلك كالقردة والفيلة والإبل والجاموس ونحوها ، وجاء في الحديث الشريف : «لو لا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها». فجعل الكلاب أمة إذا ثبت هذا فنقول : دلت الآية على أن هذه الدواب والطيور أمثالنا ، ونذكر هنا أقوالا :
(القول الأول) : المراد بقوله : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ). في كونها أمما وجماعات ، وفي كونها مخلوقة بحيث يشبه بعضها بعضا ويأنس بعضها ببعض ، ويتوالد بعضها من بعض إلا أن للسائل أن يقول : حمل الآية على هذا الوجه لا يفيد فائدة معتبرة ؛ لأن كونها بهذه أمر معلوم لكل أحد فلا فائدة في الإخبار عنها.
(القول الثاني) : المراد بها أمثالنا في أن الله تعالى دبرها وخلقها من أنسجة لحمية وعظيمة وعصبية وقرنية ودم وقناة هضمية وتكفل برزقها.
(القول الثالث) : ما رواه أبو سلمان الخطابي عن سفيان بن عيينة أنه لما قرأ هذه الآية قال : ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم ، فجميع الحيوانات ذوات الأثدي تشبه الإنسان في الحمل والولادة والإرضاع ، والحيوانات التي ليس لها ثدي تشبه الإنسان في السلسلة والفقار وأيضا منا من يقدم إقدام الأسد ، ومنا من يعدو عدو الذئب ، ومنا من ينبح نباح الكلاب ، ومنا من يتطوّس كفعل الطواويس ، ومنا من يشبه الحلوف ، فإنه لو ألقى إليه الطعام الطيب تركه ، وإذا قام الرجل عن رجيعه ، ولغ فيه ، فكذلك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها ، فإن أخطأت مرة واحدة ، حفظها ، ولم يجلس