السّلام من التراب لقوله تعالى : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : الآية ٥٩]. وخلق عيسى عليهالسلام من الريح لقوله تعالى : (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) [الأنبياء : الآية ٩١]. وأيضا نرى أن كثيرا من الحيوانات متولد لا عن النطفة ، الجواب من وجوه : (الأول) : وهو الأحسن ما قاله القفال ، وهو أن قوله من ماء صلة كل دابة وليس هو من صلة خلق والمعنى أن كل دابة متولدة من الماء فهي مخلوقة لله تعالى.
(وثانيا) : أن أجلّ جميع المخلوقات الماء على ما يروى : أول ما خلق الله تعالى جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ثم من ذلك ، الماء خلق الأجزاء التي لا تتجزأ ولما كان المقصود من هذه الآية بيان أصل الخلقة ، وكان الأصل الأوّل هو الماء ، فلا جرم ذكره على هذا الوجه ، وهذا التفسير الذي أشرنا إليه هنا قد بسطناه في الآيات المتضمنة لذكر الأجرام السماوية ، فراجعه هناك.
(وثالثها) : أن المراد من الدابة التي تدب على وجه الأرض ومسكنهم هناك ، فيخرج عنه الملائكة والجن ، ولما كان الغالب جدا من هذه الحيوانات كونهم مخلوقين من الماء إما لأنها متولدة من النطفة ، وإما لأنها لا تعيش إلا بالماء ، لا جرم أطلق لفظ الكل تنزيلا للغالب منزلة الكل.
«السؤال الثاني» :
لما نكر الماء في قوله : (مِنْ ماءٍ) [البقرة : الآية ١٦٤] وجاء معرفا في قوله : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : الآية ٣٠]. والجواب إنما جاء هنا منكرا ؛ لأن المعنى أنه خلق كل دابة من نوع من الماء يختص بتلك الدابة ، وإنما جاء معرفا في قوله : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : الآية ٣٠]. لأن المقصود هناك كونهم مخلوقين من هذا الجنس وهاهنا بيان أن ذلك الجنس إلى ثلاثة أقسام ، وكل قسم تحته رتب ، وكل رتبة تحتها أنواع لا أعداد لها ، وسيأتي بعض منها.
«السؤال الثالث» :
قوله : (فَمِنْهُمْ) [البقرة : الآية ٢٥٣]. ضمير العقلاء ، وكذلك قوله : (مِنْ) [البقرة : الآية ٥]. فلم استعمله في غير العقلاء؟ والجواب : أنه تعالى ذكر ما يعقل مع من يعقل وهم الملائكة والإنس ، فغلب اللفظ اللائق بمن يعقل ؛ لأن جعل الشريف أصلا والخسيس تبعا أولى من العكس ، ويقال : في جواب من المقبلان؟ : رجل وبعير.