محدثة بأنه قال : إن كلمة إذا تفيد ظرفية الزمان ، وكلمة يشاء صيغة المستقبل ، فلو كانت مشيئته تعالى قديمة لم يكن لتخصيصها بذلك الوقت المعين من المستقبل فائدة :
ولما دل قوله : (إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) [الشّورى : الآية ٢٩]. على هذا التخصيص ، علمنا أن مشيئته تعالى محدثة ، والجواب أن هاتين الكلمتين دخلتا على المشيئة ، أي مشيئة الله تعالى ، فقد دخلتا أيضا على لفظ القدير ، فلزم على هذا أن يكون كونه قادرا صفة محدثة ، ولما كان هذا باطلا ، فكذا القول فيما ذكرته ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
«المقالة السابعة والثلاثون»
في قوله تعالى : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) [لقمان : الآية ١٠]
أي جبالا راسية ثابتة أن تميد ، أي كراهية أن تميد ، وقيل : المعنى لئلا تميد.
(واعلم) أن الأرض ثباتها عن الميد ، وكثرة الزلازل بسبب تكون الجبال ، وإلا كانت تزول عن موضعها وتضطرب ولو خلفها مثل الرمال لما كانت تثبت للزراعة كما ترى الأراضي المرملة ينتقل الرمل الذي فيها من موضع إلى موضع ، ثم قال تعالى : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) [البقرة : الآية ١٦٤]. أي حتى أتم الله سكون الأرض عن الميد والاضطراب بظهور الجبال ونبات الإنبات لمصلحة الدواب ، ولو كانت الأرض متزلزلة ، وبعض الأراضي يناسب بعض الحيوانات ، لكانت الدابة التي لا تعيش في موضع تقع في ذلك الموضع ، فيكون فيه هلاك الدواب أما إذا كانت الأرض غير مضطربة ، والحيوانات متحركة تتحرك في المواضع التي تناسبها ، وترعى فيها وتعيش فيها فلما تمت هذه النعمة خلق الله تعالى الدواب.
(واعلم) أنه إذا تأملنا في العدد العظيم من الحيوانات التي تعيش بسطح الكرة نتعجب من أشكالها وألوانها المختلفة التي تكون بهجة جدا في بعض الحيوانات ، ومن عظم بعضها المهول ، وصغر البعض الآخر جدا ، لكن متى أمعنا النظر ، وبحثنا عن بنية كل كائن ، ورأينا الإتقان الذي يوجد في جميع أعضائها ، وانتظام وظائفها ، وعلمنا من الفطيس والحيوانات الأخرى الثديية البحرية ذوات الجثة المهولة إلى الحيوانات الصغيرة البنية التي لصغرها تخفى على النظر ، نجد أن هذه الكائنات ذات بنية واحدة في كل حيوان متحد ، وأن هذه البنية تتنوع بحسب تنوع الحياة ، وعوائد كل حيوان ، أي بحسب كونه يعيش في الأرض ، أو في الماء ، أو يرتفع في الهواء ، وحينئذ يحصل للإنسان مزيد رغبة في تحصيل تفكر في هذه المخلوقات ، ولا يتيسر لنا هنا أن نعطي تعريفا عاما لجميع الحيوانات ، وإن كان لفظ حيوان