وهذه الوظيفة كوظيفة الامتصاص كثيرة الحصول ، وهي أيضا منوطة بفعل الأوعية الماصة الوريدية واللينفاوية ، فإن صحة هذه الأعضاء هي الشرط الضروري لحصول هذه الوظيفة ، ويكفي تنويع القوة الفعالة للجذيرات الماصة في اختلاف فعل تحليل التركيب الحاصل بها ، ومن المؤكد أن هذا الفعل عضوي حيوي ، ولا عبرة بمن أراد أن يعبر عنه كغيره من بقية الامتصاصات بالأفعال الطبيعية التي للأنابيب الشعرية والتشرب وغيرهما ، والمواد بعد أخذها بالأوعية الماصة تتنوع فيها ثم تدخل إلى اللينفا والدم الوريدي ولا يمكن وجودها في هذه الأخلاط على الحالة التي امتصت بها ومما يثبت هذا أنها في زمن أخذها بالأوعية المذكورة تستحيل بواسطة قوة الامتصاص إلى اللينفا أو دم وريدي ، ثم إن التركيب يكون بتجمد الدم بفعل خاص لجوهر الأعضاء بخلاف التحليل أو الامتصاص الجزئي ، فإنه يكون بسيولة الجواهر الصلبة بواسطة الأعضاء المذكورة ، وأوعية الامتصاص المذكورة وإن أثرت في أشياء مختلفة الطبيعة ، فالمتولد عنها دائما ذو طبيعة واحدة ، وينصب في اللينفا أو الدم الوريدي كما أن المعدة لا يتولد عنها دائما إلا «الكيموس» ، وإن اختلفت طبيعة الأطعمة التي نتيجتها هذا ، ولم يمكننا معرفة الجزيئات المؤثرة فيها هذه الأوعية التأثير اللائق ، لكن ربما كانت هي الجزئيات العتيقة جدا التي اضمحلت وتلاشت من التأثير الحيوي بعد مكثها بعض أزمنة في الأعضاء ، كما اتضح هذا من تجربة القوة التي لم يزل لونها إلا بعد ترك استعمالها زمنا طويلا ، ثم إن تحليل التركيب كما أنه يختلف بحسب اختلاف الأعضاء ، كذلك يختلف فعل الامتصاص في كل من هذه الأعضاء ، وهذا الاختلاف يكون مهما جدّا بحسب اختلاف الأوعية الماصة من كونها وريدية أو لينفاوية ، فإذا كل عضو توجد فيه امتصاصات مختلفة ، وهذان هما الفعلان المتضادان اللذان بهما تتم وظيفة التغذية لأنا شاهدنا من جهة أن الدم الشرياني قد استحال إلى أنسجة كثيرة مختلفة ، ومن أخرى أن الجزئيات المختلفة العضوية قد انفصلت من جهات مختلفة للبنية الحيوانية ، واستحالت إلى سائل متماثل وهو اللينفا.
«المقالة السادسة والثلاثون»
في قوله : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) [الشّورى : الآية ٢٩]
اعلم أن دلالة خلق السماوات والأرض هي دالة وجود الإله الحكيم ، وقد ذكرناها ، كذلك دلالة وجود الحيوانات ، هي دالة أيضا على وجود القادر الحكيم الواحد الأحد العظيم ، فإن قيل : كيف يجوز إطلاق لفظ الدابة على الملائكة عليهمالسلام؟ قلنا : فيه وجوه : (الأول) : إنه قد يضاف الفعل إلى جماعة ، وإن كان فاعله واحدا منهم ، يقال بنو فلان فعلوا كذا ، وإنما فعله واحد منهم ، ومنه قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢))