لأطراف الجسم قبل أن يدخل في المنسوج الخاص للأعضاء ليغذيها.
(واعلم) أن الدم المأخوذ من جميع جهات الجسم إذا عرض للامتحانات الكيماوية العضوية لا يظهر فيه اختلاف أصلا فإذا يكون الدم الخارج من الرئتين مماثلا للدم الأحمر الموجود في المجموع الدوري الشرياني ، وهذا الدم بعينه هو الذي يأتي للأعضاء ، فتحيله في منسوجها الخالص ، فلا تكون هذه الوظيفة حينئذ حاصلة إلا بفعل جزئي مشبه للفعل الذي هو نهاية الوظائف المتقدم ذكرها ، فإنه قد تحقق أن الدم الشرياني متى دخل في نسيج الأعضاء صار مماثلا له بواسطة فعل هذا المنسوج ، ولو تتبع الشريان الموجه للمواد الغذائية لشوهد ما دام ظاهر أنه محتو على دم ، وأما عند انتهائه الشعري أعني عند ما يصير جزءا من المجموع الشعري بحيث لا يتمكن من تحقيق حالته ومجاورته لبقية العناصر العضلية لتلك الجهة فيحصل للدم الاستحالة إلى جوهر ذلك العضو ، ومن حيث إننا اعترفنا بالجهل الكامل في البنية العضوية للمنسوج الخاص للأعضاء ، فكيف يمكننا إدراك الفعل العضوي ، لكن يمكن أن يقال إنه يمكن إدراكه بنتائجه ، فإنه لو منع مجيء الدم إلى جهة من الجهات لماتت تلك الجهة التي بطل مجيء الدم إليها ، ولتناقصت شيئا فشيئا لو منع مجيء مقدار من الدم إليها ، وأخيرا فالدم الداخل في عضو لتغذيته ليست طبيعته عند خروجه منه كطبيعته عند دخوله فيه ، وجميع ما ذكر في هذه الوظيفة من الآراء المختلفة العلمية المخترعة لتوضيح البنية التامة للأنسجة العضوية التي تكلمنا عليها سابقا ليس إلا كلاما ظنينا ، ولم يعرف من هذه الوظيفة شيء إلا انتشار الدم في أنسجة الأعضاء وتجددها منه ، ويمكن أن يجعل فرق بين أعضاء الجسم المختلفة فإن من الأعضاء ما لا يتركب إلا من نفس الدم ، ومنها ما لا يتركب إلا من الجزء المصلى وبالجملة فمعظم الأعضاء يوجد في باطنه شرايين كثيرة منبثة فيه ، فهذه تكون دائما منداة بالدم ، وتوجد أعضاء أخرى يظهر أنها منداة من السوائل البيضاء ، وهي التي لا تدخلها شرايين ولا يوجد فيها الأوعية المصلية الناشئة من هذه الشرايين ، وحيث كان الدم دائما غير محتو على المواد الإفرازية بالحالة التي تنفرز بها ، فمن المحقق أن الأعضاء المفرزة نفسها هي المكونة لها ، وكذلك لا يحتوي أيضا على جميع الأنسجة العضوية ، بل النسج الخاص المغذي هو المكون لها بمعنى أن التغذية لا تكون برسوب بسيط للعناصر العضوية الموجودة في الدم أي لا يحصل رسوب للمادة الليفية في العضلات ولا رسوب للمادة الغروية في الغضاريف ، ولا رسوب للأملاح الكلسية في العظام ، بل لا تكون حقيقة إلا باستحالة الدم الشرياني إلى نسيج عضلي في المنسوج الخاص للعضلات ، ونسيج غضروفي في الغضاريف ونسيج عظمي في العظام ، وبالجملة فجميع الأصول العنصرية الموجودة في الأنسجة العضوية ليست دائما موجودة في الدم على فرض وجودها فيه ، فليس مقدارها عظيما