بعينها وظيفة التغذية ، وجعل الحكيم القادر سبحانه وتعالى جهاز هذه الوظيفة الجوهر الخاص لأعضائنا ، والبنية القصوى لأعضائنا ، وأن عسر تحقيقها ، والاستقصاء عنها ، إلا أن المشرحين مع ذلك متفقون على أن أصل كل عضو منسوج خلوي يتفرع فيه إلى ما لا نهاية له شرايين وأوردة ، وأوعية لينفاوية ، وأوعية راشحة ، وأوعية مفرزة ، وأعصاب إما منوطة بالنخاع الشوكي ، وإما آتية من أعصاب التربية ، وهي مصاحبة للشرايين في سيرها ، ولا نعلم المقادير التي بها تصاحب الأعصاب الأصول العضوية ، ومن المظنون أنها تختلف في كل عضو بالنظر لعدد المنسوجات الداخلة في تركيبه ، وبالنظر لمقادير كل كمنسوج على حيدته من هذه الأنسجة الأصلية ، وبالنظر أيضا للبنية الخاصة لكل نشيج ، فمن هذا ينتج ضرورة تنوعات في حيوية كل منها ، واختلافات أيضا في تأثيرها ، ولم يعرف إلا الاستطراق الذي بين الأوعية وبعضها أعني مجرد السوائل المحقون بها التفاريع الشريانية إلى الأوردة ، وإلى الأوعية المفرزة ، لكن لا يمكن الوقوف بالحواس على الكيفية التي تترتب بها الأصول المكونة للأنسجة المختلفة من الجسم ، فبعضهم يرى أن التفاريع الشريانية الأخيرة الدقيقة محتوية على مسام جانبية منها تنفذ الأجزاء المغذية التي في الدم الشرياني ، وبعضهم يرى أنه يوجد بين التفاريع الشريانية الدقيقة ، والتفاريع الوريدية أوعية متوسطة تسمى بالأوعية الراشحة المغذية ، وظيفتها أن يرشح منها في الأنسجة العضوية الأجزاء الغذائية ، وبعضهم يرى أنه يوجد عوضا عن هذه الأوعية المتوسطة حوصلات يرسب فيها الدم الشرياني ، وبعد رسوبه يدخل في الفريعات الوريدية الدقيقة بعد أن تأخذ منه الأعضاء كفايتها في التغذية فنتج من ذلك أنا لم نزل جاهلين البنية القصوى لهذه الأعضاء والأفعال الحاصلة فيها.
«في كيفية التغذية» :
اعلم أن وظيفة التغذية لا تتم ضرورة إلا بأمرين : وهما وإن كانا مضادين لبعضهما إلا أنهما لا يوجدان إلا مرتبطين ببعضهما بنسب ثابتة لا تتغير (أحدهما) : التركيب و (الثاني) تحليل التركيب ، فإنه ينبغي حقيقة لكل عضو حين استملاكه للمواد الجديدة أن يطرح مقدارا من المواد المركبة له ؛ لأنه لو لا هذا لكان حجمه ينمو إلى ما نهاية له ، ومتى وصل الدم الشرياني في المنسوج الخاص كابد استحالة منه حتى يصير مماثلا لجوهره ، لكن ينبغي أن نقول : أولا إن الدم عند ذهابه من القلب لا يتنوع أصلا ، ولا يكتسب أصولا جديدة ، ولا يفقد شيئا من خواصه قبل وصوله للمجموع الشعري للأعضاء التي تستملكه ومما قيل في هذه الوظيفة يتضح لنا أن الدم الخارج من تجويف القلب قبل أن يدخل في منسوجة الخاص بواسطة الشرايين لا تكون طبيعته مخالفة لطبيعة الدم الذي دار في المجموع الدوري كله ليصل