من فضل ربه ، ولهذا قرن الابتغاء بالفضل في كثير من المواضع منها قوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) [الجمعة : الآية ١٠]. وقوله : (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) [النّحل : الآية ١٤]. وقوله : (مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ) [الرّوم : الآية ٢٣] قدم المنام بالليل على الابتغاء بالنهار في الذكر ؛ لأن الاستراحة مطلوبة لذاتها ، والطلب لا يكون إلا لحاجة فلا يتعب إلا محتاج في الحال ، أو خائف من المآل ، وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [يونس : الآية ٦٧]. وقوله تعالى في موضع آخر : القوم (يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : الآية ٢٤]. وفي آخر (لِلْعالَمِينَ) [الفرقان : الآية ١] فما الحكمة في ذلك؟ فنقول : المنام بالليل والابتغاء من فضله يظن الجاهل أو الفاعل إنهما مما يقتضه طبع الحيوان فلا يظهر لكل أحد كونهما من نعم الله تعالى فلم يقل آيات للعالمين ؛ ولأن الأمرين الأولين ، وهما اختلاف الألسنة والألوان من اللوازم والمنام والابتغاء من الأمور المفارقة ، فالنظر إليهما لا يود لزوالهما في بعض الأوقات ، ولا كذلك اختلاف الألسنة والألوان فإنهما يدومان بدوام الإنسان ، فجعلهما آيات عامة ، وأما قوله : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : الآية ٢٤]. فاعلم أن من الأشياء ما يعلم من غير تفكر ، ومنها ما يكفي فيه مجرد الفكرة ، ومنها ما لا يخرج بالفكر ، بل ما يحتاج على موقف ويتفق عليه ، ومرشد يرشد إليه ، فيفهمه إذا سمعه من ذلك المرشد ، ومنها ما يحتاج بعض الناس في تفهمه إلى أمثلة حسية كالأشكال الهندسية ، لكن خلق الأزواج لا يقع أحد ؛ لأنه بالطبع إلا إذا كان جامد الفكر خامدا الذكر إذا تفكر علم كون ذلك الخلق آية وأما المنام والابتغاء فقد يقع لكثير لأنهما من أفعال العباد ، وقد يحتاج إلى مرشد بغير فكرة فقال : (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [يونس : الآية ٦٧] ويجعلون بالهم إلى كلام المرشد وينظرون في كيفية اليقظة والنوم ما محلهما وخواصهما على ما تقدم بيانه وزمنه ، وفيه مباحث :
«المبحث الأول في زمن النوم المختلف في الأشخاص» :
اعلم أن النوم لا يمكن أن يعين له حد معين ؛ لأنه يكون على حسب ما ذهب من قوي الجسم ، وأكثر الناس حاجة لطول النوم الذين يكون فيهم قابلية للتهيج ، وحركاتهم وحواسهم متزايدة في التعب ، وهؤلاء كلما طال النوم الذين حسنت صحتهم ، فلا ينبغي أن يناموا أقل من ثمان ساعات بخلاف الذين أبدانهم رخوة وبنيتهم لينفاوية ، والمخ فيهم قليل التأثر ، ولا يحصل منه إلا أفعال قليلة فإنه يمكنهم بدون عارض أن يسهروا كثيرا ، ويكفيهم في النوم ست ساعات ، وسرعة ذهاب التنبه في الأطفال هو الذي يصيرهم محتاجين للنوم غالبا ، فينبغي أن يترك الطفل لينام متى ظهرت حاجته للنوم من ليل أو نهار ، وهذه هي الواسطة الأكيدة في