الحركات العضلية فإن الجسم بعد شغل عقلي أو بعد إفراط في حظوظ عشقية يحتاج للنوم أكثر من أن يحتاج له عقب شغل عضلي.
«البحث الثاني في الوقت الضروري للنوم» :
اعلم أن الليل هو الوقت الضروري للنوم ؛ لأن المنبهات التي كانت موجبة لشغل الحواس بالنهار ذهبت بنفسها في الليل ؛ ولذا كان النوم بالنهار لا يحصل منه راحة كاملة للجسم ، فلو سهر الإنسان ليلة ونام نهارها لا يحصل له تعويض كلي للاستراحة التي كان يكتسبها بنوم الليل ، والأشخاص الذين يجعلون ليلهم نهارا يكون لونهم أصفر ، وفيهم انحطاط قوة ، ويكونون قابلين للتهيج واليبوسة ؛ لأنهم لم يتعرضوا إلى ما هو مناف للصحة فقط ، بل فقدوا أيضا التأثير الصحي الذي يكون من الحرارة والضوء والشمس والهواء الذي يكون فيه العنصر المغذي بالنهار أشد ، وغير ذلك فالذي يغار على صحته يجب عليه أن ينام في أول وقت النوم ، ويتيقظ في أول وقت اليقظة أعني أن يكون كل من نومه وتيقظه في ساعات متساوية في البعد من نصف الليل ، وهذه العادة زمن الشتاء ضرورية أكثر منها في زمن الصيف ؛ لتباعد الأشخاص عن أن يشتغلوا على الضوء المصنوع فتحفظ صحة أبصارهم ، والحاجة للنوم في النهار توجد في البلاد الحارة ؛ لكون درجة الحرارة فيها تزيل من الجسم القوة والاستعداد التيقظي بسرعة ، وقد توجد عقب غم شديد حصل من خبر رديء ، أو عقب رياضية خارجة عن العادة ، والنوم في النهار في هذه الأحوال مناسب.
«المقالة الرابعة والعشرون»
في قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٢٣) [الرّوم : الآية ٢٣].
اعلم أن قوله : (مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الرّوم : الآية ٢٣]. قيل : أراد به النوم بالليل والنوم بالنهار وهي القيلولة ، ثم قال : (وَابْتِغاؤُكُمْ) [الرّوم : الآية ٢٣]. أي فيهما فإن كثيرا ما يكتسب الإنسان بالليل. وقيل : أراد منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلق البعض بالبعض ، ويدل عليه آيات أخر منها قوله تعالى : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً) [الإسراء : الآية ١٢]. وقوله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) (١١) [النبأ : الآيتان ١٠ ، ١١]. ويكون التقدير هكذا ومن آياته منامكم وابتغاؤكم بالليل والنهار من فضله ، فأخر الابتغاء ، وقرنه في اللفظ بالفعل إشارة إلى أن العبد ينبغي أن لا يرى الرزق من كسبه وبحذفه ، بل يرى كل ذلك