هنا في كل يوم عما قبله عوض أن تحتد ، وتكتسب العضلات شدة أعظم وأكثر ، فقد شوهد في جميع الأزمان أن العلماء والفلاسفة هم ضعفاء الأجسام أقوياء العقول ؛ ولذلك يصورون في أنفسهم مالا يصور غيرهم.
«المبحث الثاني في قواعد تخص اشتغال النفس» :
أكثر الأوقات إفادة في توليد الفكر وقت الصبح ؛ لأن الجسم والذهن يكونان فيه مرتاحين والمخ مكتسبا بالنوم قوة جيدة ، والمعدة ليس بها شىء يحتاج للهضم ، وأشغال النفس يلزم لها الهدوء ، فكل ما يلهي مضاد لها ، فالأفكار التي تتم مع وجود اللغط تكون متعبة وقليلة الجودة ، وشغل العقل لا ينبغي أن يصل أبدا إلى حالة التعب ، فإن كان هذا التعب قليلا ، ولم يتكرر كثيرا ، ولم يكن الشخص المستعمل له مستعدا للاحتقانات المخية كانت عوارضه ضعيفة ومارة غير مستمرة فتكون بعض انزعاجات فقط وإن الشخص يكون ذا امتلاء ، ويظن في تركيب بنيته أن به أسبابا سابقة تهيئة للآفات حادة في المخ ، أو التهابات أو نزيف ، فينبغي نصحه بأن لا يستمر على الشغل إلى وقت يتعب فيه المخ ، وأن لا يدون عليه مع وجود هذا التعب ، وينبغي أن يتحقق الشخص كلما تمادى في الاشتغال النفسي بطلب علم ازداد فيه الاستعداد ، ومخ الشخص الذي هو معتاد لمثل هذا الشغل ، وإن كان يتعب بسرعة ، لكنه تزداد قوته في هذا الشغل شيئا فشيئا ، حتى أنه يمكنه بسهولة أن يشتغل في النهار قدر ما كان يعجز عنه سريعا في الابتداء مرتين أو ثلاثا ، وينبغي له دائما أن يمتنع عن الشغل العقلي في زمن الهضم ، ولا أقل من أن يمتنع في وقت الهضم المعدي ، وهذه الوصية ينبغي أن تعمل بها جميع الناس خصوصا الذين معداتهم ضعيفة ، والذين فيهم استعداد للآفات المخية ، وغاية أغلب القواعد الصحية أن لا يشتغلوا على حد التعب.
«المبحث الثالث في الاستشعارات النفسية» :
يشاهد في الإنسان سوى الظواهر العقلية رتبة أخرى من الظواهر النفسانية استشعارا أو ميلا أو أفعالا نفسانية ، وهي مثل الظواهر العقلية في أنها لا تظهر فيه إلا إذا كان مصابا منه تعالى بالأمور الخارجية عن الحقيقة العقلية ، والتولعات تتضمن استشعارات باطنه كثيرة الشدة والطول أو قليلتها تؤثر تأثيرا عظيما في صحة الإنسان والاستشعارات التي يتكون منها التولع لها درجات عديدة ، فتبتدئ من أدنى اضطراب إلى أشد ما يكون من التولع ، وميل النفس والتولع كلمات وضعتا لتوضحا قوة هذه الاستشعارات فمتى حصل اضطراب ، أو أدنى إحساس بشيء ، ولو كان ضعيفا وجد ميل النفس إليه ، فإن اشتد الاضطراب أو الإحساس