وبحركات أطرافه الغير المنتظمة ، وعدم إدراك المخ للأجسام يعبر به عن
المشقة المذكورة. وعن تنهد الشبان في سن البلوغ الذين تربوا في الجهل بعيدين عن
الأشياء المرضية لشهواتهم ، وأما متى خالطت الحواس التي في سطح الجسم البشري تلك
الأشياء اللازمة لاستيفاء الاحتياجات المذكورة ، فإنها تنبه الفؤاد الذي هو مركز
الإدراك على وجودها ، فيعرفها هذا المركز حالا ثم يردها إليها ، فعند ذلك يصير
إدراك الأشياء المذكورة أكثر وضوحا للحيوان الذي يريد الاستيلاء عليها ، ولما لم
يكن المركز الفؤادي في سن الطفولية مشغولا بإدراك سوى الاحتياج ، كانت الحركات
اللازمة لاستيفائه مطيعة لهذا المركز وسريعة الحصول ، فإن الطفل بعد ولادته يوجه
فمه من تلقاء نفسه نحو الحلمة إذا كان ثدي أمه قريبا منه ، ويستمر على كونه لا
يجعل مدة بين إدراك الاحتياج للشيء المضطر هو إليه وتتميم الفعل المعد للاستيفاء
هذا الاحتياج حتى تلوح له معرفة ذاته ويقوى إدراكه بالإدمان وتنمو حافظته
بالتصورات ، فعند ذلك يجد سببا باعثا على إيقاف تلك الأفعال السريعة ، فهذه
الكيفية التي تتم بها الأفعال الأول الإلهامية ، والمراد بالإلهام هنا الميل
الغريزي الكائن في كل حيوان الذي به يكون دائما متنبها ، بل مجبورا على تتميم
واستيفاء احتياجاته ، ثم إن القوة الإلهامية وإن كانت غير أجنبية من الإنسان إلا
أن عقله يوهن إرشاداتها ويرشد أفعال الإنسان لأن تصير داخلة تحت سلطان الإرادة ما
أمكن ، وهذه القوة الإلهامية هي التي تقود الحيوانات لمعظم أفعالها وتجعل فيها من
حين الولادة المعرفة التامة بجميع ما ينفعها ، وحفظ الشخص وتكاثر النسل هما الأصلان
المحركان لجميع الأفعال الإلهامية التي تختلف في جميع الموجودات الحية على حسب
القوى الطبيعية التي أودعها الله تعالى فيها على حسب درجة الفهم والتمييز المقدرين
لها ، فإن كل حيوان له مقدار من الفهم وله نفس تخصه ، ومع هذا فدرجة الفهم وإن
كانت في بعضها عظيمة جدا إلا أنها لا تجاوز المسافة القاصية الفاصلة بينها وبين
الإنسان فإنا لم نجد قط من الحيوانات الأكثر فهما احتياجا إلى معرفة نفسها ولا
تأملا منها في الموجودات ولا تعليلا لما يحصل حولها حتى تصل بالفكر والبحث والتأمل
إلى المعارف العليا السنية المتعلقة بوجود النفس وبالحياة المستقبلة.
«المبحث الثاني في الظواهر النفسانية» :
الظواهر
المختصة بالقوى العقلية التي للإنسان ، وإن كثر عددها واختلافها ، وكانت بحسب
الظاهر مخالفة لبقية الظواهر المختصة بالحياة وكانت أيضا مطيعة لسلطان النفس أنه
يلزم أن نعتبرها نتيجة فعل الفؤاد الذي هو المها وأن لا نميزها بأي كيفية كانت عن
بقية الظواهر الصادرة من الأفعال العضوية ، فوظائف الفؤاد في الحقيقة مطيعة
للنواميس العامة المستولية