على بقية الوظائف ، فتنمو وتنقص بتقدم السن ، وتتنوع بالعادة والذكورة والأنوثة والمزاج والاستعداد الشخصي ، وتضطرب أو تضعف أو تثور بالأمراض والآفات في المخ ، وأما أن تشوش انتظامها أو تفسده أو تحدث فيها غير ذلك وهي كالأفعال العضوية لا تقبل تغيرا فينبغي في البحث عنها الاقتصار على المشاهدة والتجربة والظواهر العديدة المكونة للقوى العقلية الإنسانية ليست إلا تنوعات للقوى الحاسة أن تمكننا (٥) بالمعنى الأعم لهذه اللفظة.
«المبحث الثالث في قابليته الإدراك»
المحسوسات عند انتقالها إلى مركز الحس بواسطة الأعصاب تحدث في الفؤاد رد فعل أو تفاعلا فعند ذلك يكمل الإحساس وينشأ الصور ولا يكفي في وجود الإحساس تأثير جسم ما في إحدى حواسنا ، ولا نقول : هذا التأثير بعصب من الأعصاب إلى الفؤاد ، ولا قبول الفؤاد لهذا التأثير. بل لا بد وأن يكون الفؤاد بعينه مدركا للتأثير المذكور حتى يحصل الإدراك الحقيقي أو التصور ، ومن المحقق أنه إذا لم يتنبه الفؤاد من هذا التأثير تنبيها تاما حصل الإحساس بدون أن نستشعر به ، ولا يعسر توضيح ذلك ، فإننا نشاهد أجساما كثيرة تؤثر دائما في حواسنا بدون أن نستشعر بها ، ألا ترى أن ملامسة الهواء الجوي وتثاقل العمود الهوائي على أجسامنا يؤثر تأثير دائما على أسطحتها بدون أن نستشعر به أصلا ، وهذه النتيجة إنما هي صادرة من تقرر العادة ، ومن الأمثلة المذكورة بهذا الصدد أيضا حركة الأجفان الدائمة الغير الإرادية ، وهذا الفعل للفؤاد الذي به يدرك التأثير المسمى بقابلية الإدراك يختلف كثيرا ، ففي بعض الأشخاص يكون خفيفا ، وفي بعضها يثور ثورانا غريبا ، ويكون قويا في سن الشبوبية ، ومتناقصا في سن الفتوة ، وقريبا من الفقدان في سن الشيخوخة ، ولم يعرف ما مجلس هذه الوظيفة في أي جزء من الفؤاد.
«المبحث الرابع في الحافظة» :
الحافظة هي القوة التي بواسطتها يحفظ الإنسان ويتذكر الإحساسات الماضية والظواهر العقلية المختلفة الناشئة من هذه الإحساسات ، والقوة المذكورة تكون قوية جدا في سن الشبوبية ؛ إذ في هذا الزمن يمكن اكتساب المعارف الكثيرة الاختلاف خصوصا التي لا تستدعي زيادة تأمل ، كاللغات والتواريخ والعلوم الشرعية ثم تضعف بالتقدم في السن وتفقد بالكلية من بعض الأمراض المخية ، وقد لا يؤثر المرض إلا في بعض أجزاء من هذه القوة ،
__________________
(٥) قوله : إن تمكنا ... إلخ. كذا بالأصل ، وهو غير مرتبط بما قبله. اه.