يحدث فيه القوة الشمية ، وعصب الزوج الخامس ويحدث فيه الحس اللمسي ، والذي
يمكن أن تضمحل فيه إحداهما مع ثوران الأخرى كما يحصل في حال الزكام ، فإنه فيه
تضمحل حاسة الشم ، وتتزايد حاسة اللمس ، ومنفعة الشم أن به تعرف الصفات الرائحية
للأجسام فندرك به صفات الهواء الذي نستنشقه والأطعمة التي نستعملها وجعل تعالى
لحاسة الشم منفعة عظمى في التمييز بين الجواهر الغذائية وغيرهما ، فإن الحيوانات
التي يكون فيها هذه الحاسة تامة تنفعها في تمييز الجواهر النافعة لها في الغذاء عن
الجواهر الضارة ، فإن كل حيوان جعل تعالى فيه أن يدرك مقدارا من النباتات المسمة
له إدراكا كليا.
«المبحث التاسع في الذوق» :
اعلم أن الأصول
الطعمية الموجودة في الأجسام ذوات الطعوم أكثر من الأصول الرائحية الموجودة فيها ،
ثم إن الطعوم كالروائح كثيرة العدد والاختلاف ، فيعسر اختراع قاعدة لتقسيمها إلى
رتب ، والشرط المهم لإدراك عضو الذوق طعم جسم من الأجسام هو قابلية ذلك الجسم
للذوبان ، ومعادلة حرارته لحرارة اللعاب ، نعم هناك أجسام يمكن أن يدرك طعمها مع
كونها غير قابلة للذوبان في الماء ، وأكثر الأجسام طعما ما يسهل تحليله تحليلا
كيماويا كالأملاح الحامضة ، والأملاح القلوية ، ومتى حصل تشوش في المعدة استتر
اللسان بمادة مخاطية ثخنية مرة مائلة للاصفرار ، فلا يتأتى إدراك الطعوم على
حقيقتها لأنه يوجد دائما في الارتفاعات العصبية زيادة عن هذا الطليان المانع من
ملامسة الأجسام ذوات الطعوم لها حس بطعم مر.
«المبحث العاشر في حاسة الذوق» :
لا توجد حاسة
من الحواس قريبة من حاسة اللمس ، وشبيهة بها بالكلية إلا حاسة الذوق فإن السطح
الذوقي لا تختلف عن الجلد العام إلا بكون كل من الطبيعة المسماة بالكوريم ، والجسم
المخاطي ، والبشرة الساتر كل منها للسان كثير الرخاوة قليل السمك قابلا لمقدار
عظيم من الأعصاب والأوعية مندي دائما باللعاب ، والمادة المخاطية الحنكية ، ثم إن
الأعصاب المنبثة في اللفافة الجلدية للسان هي العصب اللساني ، واللساني البلعومي ،
والعصب العظيم تحت اللسان ، وكلها منتشرة في البشرة لا سيما الأول منها ، ومكونة
لمقدار عظيم من الارتفاعات العصبية المميزة بحسب شكلها إلى فطرية ، وهي الشاغلة
لقاعدة اللسان ، وإلى خملية وهي الشاغلة لوسطه ، وإلى مخروطية وهي الشاغلة لطرقه ،
واللسان وإن كان في الظاهر عضوا مفردا إلا أنه مكون من جزءين ظاهرين متساويين في
الانتظام ،