وليس بين عضلاتهما وأوعيتهما وأعصابهما استطراق ، ولذلك نرى في الغالب أن جهة من هذا العضو يحصل لها الشلل بدون أن تكون الأخرى مريضة ، والغالب في حال تسرطن هذا العضو أن تكون إحدى جهتيه غير مصابة بالمرض المتلف لجهة ومجلس الذوق إنما هو السطح العلوي باللسان ومع هذا فلا يتأتى إنكار كون الشفتين واللثة والغشاء السائر لسقف الحنك تتأثر من الطعوم ، فقد شوهد من الأشخاص من فقد منه هذا العضو ، وبقيت فيه حاسة الذوق ، وليس في أنواع الأعصاب الثلاثة المتوزعة في اللسان ما هو مجلس للذوق إلا العصب اللساني ، وأما العصب العظيم الذي تحت اللسان فهو المحرك للسان ، والعصب اللساني البلعومي فهو المعين على هذا الحركات ، وحركات البلعوم والأعضاء الأخر التي فيه ، فعلى هذا يكون المجموع العصبي لعضو الذوق منقسما إلى جملة أقسام لكل قسم منها حاسة مخصوصة تدرك كلا من الطعوم بكيفية مخصوصة كالأجسام الحريفة فإن بذوقها يبقى لها تأثير في البلعوم ، وكالحوامض فإنه يبقى لها تأثير وشفتين والأسنان وغيرها ، كما يأتي بيانه في تفسير قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (١٠) [البلد : الآيات ٨ ـ ١٠]. وحاسة الذوق ليست كحاسة الشم ، فهي منوطة بالتغذية أكثر من إناطتها بالمخ ، فإن الذوق لا يؤثر في المخ إلا تأثيرا خفيفا ، فجعلها تعالى لأعضاء الهضم كخفير منبه لها إذ هو الملتزم بمعرفة الحكم على الأطعمة التي نستعملها ، ولذلك كان لأعضاء هذه الحاسة اتحاد بجهاز الهضم ، فإذا متى حكم بأن الأطعمة كريهة ظهر في الفكين امتناع من المضغ ، وفي إفراز اللعاب بطء ، وفي البلعوم انقباض وفي المعدة كراهة لتلك الأطعمة قبل وصولها إليها بعكس ما إذا حكم بأن الأطعمة لذيذة ، فإن جميع هذه الوظائف تزيد قوتها شدة بكثرة ، وتصير كأنها آخذة لها ، وتثور حاسة الذوق أيضا ، ويتناقض الجوع ، فعند ذلك يحصل الشبع فتصير بسببه الأطعمة التي كانت تشتهي في مدة الاستشعار بالجوع مكروه مبغوضة.
«المبحث الحادي عشر في حاسة اللمس والمس» :
اعلم أنه لا يوجد جزء من سطح الجسم إلا ويقبل تأثير المنبهات الخارجية ، ويحس بها بسرعة ، وهذا هو المسمى باللمس ، وجعل سبحانه وتعالى بحكمته عضو هذه الحاسة الذي تتسلطن فيه ضرورة هو اللفافة العامة للجسم ، وهي الجلد الحقيقي ، وجعل تعالى النسيج الخلوي الضام لجميع أجزاء الجسم من كل الجهات يكون حوله طبقة سميكة تستر جميع جهاته تسمى بالنسيج الشحمي ، وكلما قربت من سطح الجسم تقاربت صفائحها ، وانضمت بدون أن تنفصل عن بعضها من الشحم ، فبواسطة هذا التفاوت الكلي للنسيج الخلوي يتكون الجلد الذي هو نسيج كثيف لدن وزع في سمكه تعالى أوعية كثيرة مختلفة الأنواع ، وأعصابا