قرون كثيرة عديدة ، فإن قيل : ما الاستحالات التي حصلت في نباتات الزمن القديم حتى تحولت إلى كتلة فحمية مشحونة بالقار؟ قلنا : إن النباتات التي غمرتها المياه كانت كتلتها خفيفة إسفنجية تشبه «التورب» الذي يتكون الآن في المستنقعات ، فلما مكثت في المياه حصل فيما تعفن جزئي وتخمر لا يمكن الإفصاح عنه بأكثر من أن يقال : إن التحلل الذي حصل في نباتات الزمن القديم كان مصحوبا بتكون غازات معدنية سائلة المتشرب به الفحم الحجري ، ومنشأ الزيوت القطرانية المتشربة بها أنواع الشيت القاري ، وقد استمر انتشار تلك الغازات بعد اندفان طبقات «التورب» تحت الأراضي التي غطتها ، وقد اكتسب الفحم الحجري الكثافة العظيمة المميزة له ، وحالة الانضمام بثقل هذه الأراضي وضغطها له وكذلك الحرارة المتصاعدة من جوف الأراضي كان لها تأثير عظيم في ذلك ، وينبغي أن تنسب الاختلافات التي في طبقات الفحم الحجري إلى هذين السببين ، أعني الضغط والتسخين الواقع من تأثير الحرارة المركزية ؛ ولذا كانت الطبقات السفلى أكثر جفافا واندماجا من الطبقات العليا ؛ لأن الحرارة التي أثرت فيها كانت أكثر ارتفاعا ، وكان الضغط الواقع عليها أقوى ، وقد اتضح من التجربة المتكررة مرارا كيفية تكون الفحم الحجري ، وحصل النجاح في تكون فحم حجري مندمج جدّا بتأثير الحرارة والضغط على الخشب وعلى مواد نباتية أخرى ، وكان الجهاز الذي استعمل في هذه التجربة يتأتى معه تعريض مواد نباتية محالة بالطين المندى بالماء ، ومضغوطة إلى حرارة مرتفعة ، واستمر تأثيرها زمنا طويلا ، ولم يكن هذا الجهاز مغلقا ، لكن يمنع تصاعد الغازات والأبخرة ، بحيث إن تحلل المواد النباتية كان يحصل في وسط مشحون بالرطوبة بتأثير ضغط يمنع انفصال العناصر التي تكونت منها ، فلما وضعت نشارة أخشاب ذات طبيعة مختلفة في هذا الجهاز ، تكونت منها متحصلات تشبه الفحم الحجري اللامع تارة ، والفحم الحجري المعتم تارة أخرى ، وهذه الاختلافات ناشئة عن اختلاف صنوف الخشب التي عرضت للتجربة ، وبها يعلل اختلاف أنواع الفحم ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، وقد آن لنا الشروع في تمام المقصود بعون الله تعالى الملك المعبود فنقول :