بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الأول : في كيفية تكون الحيوانات وما يتعلق بذلك
اعلم أن هذا الباب من أعظم وأعجب الآيات الدالة على وجود الصانع القادر الحكيم الباهر ، فعلى العاقل أن يتأمل فيما ذكرنا فيه ،
فألق نحو ما أقول السمعا |
|
واجمع حواشي الكلمات جمعا |
«المقالة الأولى»
في بيان قوله تعالى عزوجل :
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (٢٠) [الرّوم : الآية ٢٠]
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
كيفية خلق آدم وبيان خلقنا منه وهي أن الله تعالى خلق آدم من تراب ، وخلقنا منه ، فكيف قال : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) [الرّوم : الآية ٢٠]. فنقول : الجواب عنه من وجهين : (أحدهما) : ما قيل : إن المراد من قوله : (خَلَقَكُمْ) [البقرة : الآية ٢١]. أنه خلق أصلكم. (الثاني) : إن كل بشر مخلوق من تراب ، أما آدم فظاهر وأما نحن فلأنا خلقنا من نطفة ، والنطفة متولدة من الدم بواسطة الأنثيين ، والدم متكون من المادة اللبنية ، أي اللينفاوية الناشئة عن «الكيلوس» المتكون من «الكيموس» الناتج عن تناول الأغذية في المعدة ، والأغذية من التراب والماء.
المسألة الثانية : في خلق آدم من ماء ومن ماء مهين ومن تراب وكيفية الجمع بينهما المسألة الثانية : فإن قيل : قال تعالى في موضع آخر : (خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً) [الفرقان : الآية ٥٤]. وقال في موضع آخر : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٢٠) [المرسلات : الآية ٢٠]. وهاهنا قال : (مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : الآية ٥٩]. فكيف الجمع؟ قلنا : أما على الجواب الأول ، فالسؤال زائل ، فإن المراد منه آدم ، وأما على الثاني فنقول : ما قاله هنا هو أصل أوّل ، وما قاله في ذلك الموضع هو أصل ثان ؛ لأن ذلك التراب الذي صار غذاء يصير مائعا وهو المني ، ثم ينعقد ويتكون بخلق الله تعالى منه إنسانا ، أو نقول : الإنسان له أصلان ظاهران وهما الماء والتراب ، فإن التراب لا ينبت إلا بالماء ، ففي النبات الذي هو أصل غذاء