«المبحث السادس في انقطاعه في سن اليأس» :
اليأس من الحيض
ـ أي انقطاعه ـ يختلف مثل ما يختلف ظهوره الأوّل ، والغالب أن يكون فيما بين خمس
وأربعين إلى خمسين سنة ، وبعض النساء ييأس في أربعين بل في ست وثلاثين وفي ثلاث
وثلاثين وأقل من ذلك ، قال بعض المؤلفين : وعندي من ذلك أمثلة كثيرة ، وأعرف بنتا
عمرها خمس وعشرون سنة لم تر الحيض منذ كان سنها ثمان عشرة سنة مع أن صحتها جيدة ،
وامرأة سنها الآن ثنتان وثلاثون سنة لم تره منذ كان سنها إحدى وعشرين سنة إلى الآن
ولم يحصل لها شيء من العوارض ، ومن النساء من يمكث حيضها إلى خمس وخمسين وستين
وسبعين ، وذكروا أن نساء أيسن في السن الاعتيادي لليأس ثم ظهر فيهن الحيض من جديد
في ستين أو سبعين أو ثمانين أو في تسعين أو خمس وتسعين بل وفي مائة وخمسة وستين ،
لكن نقول كما قال «أرسطاطاليس» : إذا لم يكن هذا الرجوع نادرا في ستين إلى سبعين
أو خمسين وسبعين فمن المحقق أقله اعتبارا كونه علامة لمرض لا أنه رجوع حقيقي للطمث
؛ لأن الأمور الواقعية النادرة لا تبطل قواعد الأطباء. وستشاهد فيما يأتي أن بعض
النساء وجد عندهن استعداد للتلقيح حينئذ ، وكما أن بعض النباتات تخضرّ أحيانا لحظة
في الخريف كذلك يمكن أن امرأة في بعض الأحوال تقرب لحظة لسن شبوبيتها بعد وصولها
إلى آخر حياتها فهي آخر حركة عنيفة جعلها الله تعالى ليمتحنها بها لتذكرها أيام
الصبا الماضية المفرحة ، لكن من سوء الحظ جعلها تعالى أنها تجزم لانحلال جزئها
الذي تجتهد المرأة اجتهادا غير نافع في تقهقره ما أمكن ، وبالاختصار فالحيض في
الانتظام الاعتيادي ينقطع فيما بين الأربعين إلى الخمسين في الأقاليم المعتدلة ،
وفيما بين ثلاثين إلى أربعين في الأقاليم الحارّة ، وفيما بين خمس وأربعين إلى خمس
وخمسين في المناطق الباردة ، ونقول بعبارة أخرى : مدّة إقامة الحيض كلها تقرب في
جميع الجهات لثلاثين سنة ، فإذا بكر ظهوره ، بكر انقطاعه ، وإذا تأخر ظهوره ، تأخر
انقطاعه ، وما خالف هذه القواعد العامة فمن المستثنيات أو من الأحوال المرضية ،
وسن اليأس يعلم بمغيب تدريجي لحسن الشبوبية ، فيذبل النهد والخدّان ، ويتكرش الجلد
بحيث يظهر كأنه أعرض من الجسم ويفقد نعومته ، وتختفي العينان في الحجاجين ، ويتبدل
اللون الأحمر الزاهي بلون مصفرّ واللون الأرجواني الذي كان مجلسه مع الضحك
والاستشارات في الشفتين الموردتين يخلفه لون أزرق رصاصي ، وبالجملة فجميع ما يشاهد
حينئذ يدل على أن زمن اللذات ولى وانقضى ، وأن المرأة إذا تجردت عن الملاحة
والظرافة التي توجد في نوعها ؛ ولذلك كان هناك وجه لتسمية هذا السن ب «سن اليأس» ،
وقد ثبت من البحث في الأقاليم والبلاد أنه لا يموت من النساء أكثر من الرجال فيما
بين أربعين سنة