٣ ـ يقول ربنا (تبارك وتعالى):
(وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) (١٢) (الطارق : ١٢).
قال الأقدمون : هو انصداعها عن النبات ، وهو صحيح ؛ لأن الله (تعالى) جعل فى تركيب تربة الأرض من المعادن والمركبات الكيميائية ما يتميأ (أى يمتص الماء) فيتمدد وينتفش حتى يرتفع إلى أعلى ، فترق التربة رقة شديدة وتنشق ، وبذلك تفسح التربة للنبتة الطرية الندية المندفعة من داخل البذور المدفونة بالتربة والمعروفة باسم السويقة (تصغير ساق) طريقا سهلا إلى أعلى ، تصل منه إلى سطح الأرض بسلام ، نبتة طيبة ، أو شجرة باسقة ، ولو لا تلك الخاصية التى وضعها الله (تعالى) فى التربة ما أنبتت الأرض ولا كانت صالحة للحياة ، وهذا صحيح.
ولكن بعد الحرب العالمية الثانية ، اتجه العلماء إلى قيعان البحار والمحيطات بحثا عن عدد من الثروات المعدنية التى بدأت احتياطياتها على اليابسة فى التناقص باستمرار فى ظل الحضارة المادية المسرفة التى يعيشها إنسان اليوم ، فوجدوا أن بأواسط البحار والمحيطات سلاسل جبلية عملاقة تفوق فى ارتفاعها أحيانا أعلى القمم فوق اليابسة ، وعند دراسة تلك الحواف البارزة فى أواسط المحيطات ، اتضح أنها عبارة عن طفوح بركانية متراكمة فوق بعضها البعض عبر فترات زمنية طويلة ، وأن تلك الطفوح لا تزال تندفع عبر شبكة هائلة من الصدوع التى تمزق الغلاف الصخرى للأرض ، بعمق يتراوح بين ٦٥ كم ، ١٥٠ كم ، وأنها تمتد لمئات الآلاف من الكيلومترات فى جميع الاتجاهات (وكأنها صدع واحد) ؛ لتحيط بالأرض إحاطة كاملة ، وتمزق غلافها الصخرى إلى عدد من الألواح الأرضية المتباينة فى مساحاتها وفى كتلتها ، وأن هذه الشبكة الهائلة من الصدوع هى بمثابة صمامات الأمن للأرض ، حيث تنطلق عبرها كميات هائلة من الحرارة الناتجة عن عمليات التحلل الإشعاعي في الغلاف الصخرى للأرض ، وفى نطاق الضعف الأرضى ، (asthenosphere) الذى يليه إلى الداخل فى اتجاه مركز الأرض. ولو لا أن قدّر الله (تعالى) للأرض تلك الشبكة الهائلة من الصدوع لانفجرت منذ اللحظة الأولى