وأما من كان مجنونا في رمضان ، وأفاق بعضا منه ، فالشافعية على أصحّ الأقوال عندهم أنه يصوم ما شهد فقط ، ولا قضاء عليه لغيره ، ومن أفاق في أثناء النهار اختلف في تكليفه بالقضاء عندهم.
وترى الحنفية أن شهود أي جزء من الشهر موجب صيامه كلّه. وقد قالوا : إنّ الآية تشهد لهم ، لأنّك قد علمت أنّ إجراءها على ظاهرها محال ، فلا بدّ من تقديره البعض ، فيكون المعنى عندهم فمن شهد بعض الشهر فليصمه جميعه.
فإن قيل لهم : لما ذا قدّرتم البعض في الأول ، ولم تقدروه في الثاني؟
قالوا : إنا لجأنا للإضمار للضرورة ، والضرورة تقدّر بقدرها ، وقد اندفعت بإضمار في الأول ، مع بقاء الثاني على حاله.
ولكن لقائل أن يقول لهم : إن الضمير في قوله تعالى : (فَلْيَصُمْهُ) راجع إلى ما قبله ، فإن كان ما قبله مراد منه الجميع ، كان هو مرادا منه الجميع ، وإن كان البعض كان مرادا منه البعض ، أما إن أريد بالمرجع شيئا وبالضمير غيره فهو غير ظاهر.
وقد أورد على الحنفية ما يأتي : معقول أنه إذا أفاق أثناء الشهر أن نوجب عليه ما بقي في الشهر بعد ذلك ، لكن غير معقول أن نوجب عليه صوم ما مضى ، لأنّ شهود الجزء لا يتأتّى أن يكون سببا لصوم ما قبله ، وإلا كنا قد كلفناه الصوم قبل وقته.
وقد أجابوا عن هذا بأنّا نوجب عليه قضاء الأيام الماضية لا صومها هي ، وجائز إلزامه القضاء مع امتناع خطابه وقت الأداء ، كالمغمى عليه والناسي والنائم.
وقد اختلف العلماء أيضا في الصبي يبلغ والكافر يسلم في بعض رمضان ، فقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وزفر ، ومالك بن أنس في «الموطأ» وعبد الله بن حسن (١) ، والليث (٢) ، والشافعي : إنهما يصومان ما بقي ، وليس عليهما قضاء ما مضى ولا اليوم الذي حصل فيه البلوغ والإسلام.
وقال ابن وهب (٣) عن مالك : أحبّ إليّ أن يقضياه.
وقال الأوزاعي في الغلام يبلغ في النصف من رمضان : إنه يقضي ما مضى ، فإنه كان يطيق الصوم.
__________________
(١) أبو محمد المدني الهاشمي تابعي ، من أهل المدينة ، انظر الأعلام للزركلي (٤ / ٧٨).
(٢) الليث بن سعد أبو الحارث ، فقيه مصر توفي (١٧٥ ه) أصله من خراسان ، انظر الأعلام للزركلي (٥ / ٢٤٨).
(٣) عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري القرشي توفي (١٩٦ ه) في مصر انظر ، الأعلام للزركلي (٤ / ١٤٤).