أن تطالبه بنفقة عن المدة التي أكلتها عنده ، سواء أأكلت معه أم وحدها ، أم أضافها شخص إكراما له ، كل ذلك يعتبر إنفاقا عليها ، ويسقط نفقتها ، لإطباق الناس عليه في زمنه صلىاللهعليهوسلم وبعده ، ولم ينقل خلافه.
واختار جمع من أصحاب الشافعي أنّ نفقة الزوجات معتبرة بالكفاية لا بالأمداد ، لقوة الدليل على ذلك ، حتى قال الأذرعي (١) : لا أعرف لإمامنا رضي الله عنه سلفا في التقدير بالأمداد ، ولو لا الأدب لقلت : الصواب أنها بالمعروف تأسيا واتباعا اه.
والمأمور بالإنفاق في قوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) إلخ الآباء الذين سبق ذكرهم في قوله تعالى : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) ومن ثمّ كانت الآية أصلا في وجوب النفقة للولد على الأب دون الأمّ.
ودلّ قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) على أنّه لا فسخ بالعجز عن الإنفاق على الزوجة ، لأنّه قد تضمّن أنه إذا لم يقدر على النفقة لم يكلفه الله الإنفاق في هذه الحال ، فلا يجوز إجباره على الطلاق من أجل النفقة ، لأنّ فيه إيجاب التفريق لشيء لم يجب عليه ، وكذلك قوله تعالى : (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) يدلّ على أنه لا يفرّق بينهما من أجل عجزه عن النفقة ، لأنّ العسر يرجى له اليسر ، كما قال الله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠] وبهذا قال أهل الظاهر ، وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه ، وأحد قولي الشافعي رواية عن أحمد رحمهمالله.
وعلى هذا لا يلزمها تمكينه من الاستمتاع ، لأنّه لم يسلم إليها عوضه ، كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع لم يجب تسليمه إليه.
وعلى الزوج تخلية سبيلها ، لتكتسب ، وتحصل ما تنفقه على نفسها ، لأنّ في حبسها بغير نفقة إضرارا بها.
والقول بالفسخ مذهب مالك ، وأظهر قولي الشافعي ، ورواية عن أحمد رحمهمالله ، وحجتهم في ذلك خبر الدار قطني والبيهقي في الرجل لا يجد شيئا ينفق على امرأته يفرّق بينهما. قالوا : وقضى به عمر رضي الله عنه ، ولم يخالفه أحد من الصحابة ، وقال ابن المسيّب : إنّه من السنة.
قالوا : وقد شرع الفسخ بالعنة لإزالة الضرر ، والضرر الذي يلحقها بعدم النفقة أشدّ من ضررها بالعنة ، فكان الفسخ بالعجز عن النفقة أولى من الفسخ بالعنة.
وفي تخلية سبيلها للكسب تشويش على الحياة الزوجية ، وإخلال بالسكن الذي
__________________
(١) أحمد بن حمدان أبو العباس شهاب الدين ، فقيه شافعي ولد بأذرعات الشام وتفقه بالقاهرة استقر في حلب وتوفي فيها سنة (٧٨٣ ه) انظر الأعلام للزركلي (١ / ١١٩).