وأما التقدير بالأمداد وتعيين الحب : فبالقياس على الكفارة ، بجامع أنّ كلّا مال وجب بالشرع ، ويستقر في الذمة ، وأكثر ما وجب في الكفارات لكل مسكين مدان ، مثل كفارة الحلق في النسك.
وأقل ما وجب له مد في كفارة اليمين ونحوه ، والمد يكتفي به الزهيد ، وينتفع به الرغيب ، فلزم الموسر من الأزواج الأكثر ، والمعسر منهم الأقل ، والمتوسط ما بينهما.
وأيضا فإنّ النفقة عليهنّ في مقابلة التمتع بهنّ ، وشرف القوامة عليهنّ ، فاقتضى ذلك تقديرها كما يقدر كل ذي مقابل ، وإنما لم تعتبر الكفاية كنفقة القريب لأنّها تجب للمريضة والشبعانة.
وليس في الآية الكريمة أكثر من الدلالة على أنها متفاوتة ، وما اقتضاه حديث هند من تقديرها بالكفاية يجاب عنه بأنّه لم يقدّرها بالكفاية فقط ، بل بها بحسب المعروف ، وما ذكر من توزيع الأمداد بحسب اليسار والإعسار هو المعروف المستقر في العقول ، ولو فتح للنساء باب الكفاية من غير تقدير لوقع التنازع لا إلى غاية ، فتعيّن ذلك التقدير اللائق بالعرف.
قالوا : وقد روي التقدير في الكفارات عن الصحابة ، فعن عمر في كفارة اليمين : لكل مسكين صاع من تمر أو شعير ، أو نصف صاع من بر. ومثله عن عائشة.
وعن علي : نصف صاع لكل مسكين.
وعن زيد بن ثابت : يجزئ لكل مسكين مدّ حنطة ، وروي مثله عن ابن عمر ، وابن عباس ، وابن المسيّب ، وابن جبير ، ومجاهد ، والقاسم ، وسالم ، وأبي سلمة.
وقال سليمان بن يسار : أدركت الناس وهم يطعمون في كفارة اليمين مدّا بالمد الأول.
قالوا : وثبت في «الصحيحين» (١) أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال لكعب بن عجرة في كفارة فدية الأذى : «أطعم ستة مساكين نصف صاع طعاما لكل مسكين» فدلّ ذلك على أنّ الإطعام في الكفارات مقدّر بالأمداد من الحبّ المقتات ، فجعلنا ذلك أصلا ، وعدّيناه إلى نفقة الزوجات لما تقدم.
ومعلوم أنّ الشافعية لم يقولوا بتقدير نفقة الزوجة إلا عند تنازع الزوجين ، أمّا إذا تراضيا على أن تأكل من بيته ، فأكلت قدر كفايتها ، كان ذلك إنفاقا عليها ، وليس لها
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ٨٥٩) ، ١٥ ـ كتاب الحج ، ١٠ ـ باب جواز حلق الرأس حديث رقم (٨٠ / ١٢٠١) ، والبخاري في الصحيح (٥ / ١٨٥) ، ٦٥ ـ كتاب التفسير ، ٣٢ ـ باب (فمن كان منكم مريضا) حديث رقم (٤٥١٧).