شحيح ليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم.
فقال : «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف».
ولقد جعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم نفقة المرأة مثل نفقة الخادم ، وسوّى بينهما في عدم التقدير ، وردهما إلى المعروف ، فقال في الزوجات : «ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف» وقال في الخادم : «للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف» (١) ولا ريب أنّ نفقة الخادم غير مقدرة ، ولم يقل أحد بتقديرها ، فكذلك نفقة الزوجة.
ولم يحفظ عن أحد من الصحابة قط تقدير النفقة ، لا بمدّ ولا برطل ، بل المحفوظ عنهم ؛ والذي اتصل به العمل في كل عصر ومصر ؛ أنّهم كانوا ينفقون على أهليهم الخبز والإدام من غير تقدير ولا تمليك.
وصحّ عن ابن عباس في قوله تعالى : (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) [المائدة : ٨٩] الخبز والزيت. وعن عمر : الخبز والسمن ، والخبز والتمر ، ومن أفضل ما تطعمون الخبز واللحم ، ومثل هذا مرويّ عن عليّ وابن مسعود وابن عمر وأبي موسى الأشعري وأنس بن مالك من الصحابة رضوان الله عليهم ، وروي مثله عن كثير من التابعين.
وبعدم تقدير النفقة قال الجمهور من فقهاء الأمصار.
وخالف الشافعي وأبو يعلى (٢) فقدّرا نفقة الأزواج ، إلا أنّ أبا يعلى قدّرها بالخبز ، فجعل الواجب رطلين من الخبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر ، اعتبارا بالكفّارات ، فإنّها لا تختلف قلة وكثرة باختلاف اليسار والإعسار ، وإنما تختلف جودة ورداءة ، لأنّ الموسر والمعسر سواء في قدر المأكول ، وما تقوم به البنية ، وإنما يختلفان في جودته ، فكذلك النفقة الواجبة.
وأما الشافعي فإنّه قدرها بالحبّ ، فجعل على الفقير مدا ، وعلى الموسر مدّين ، وعلى المتوسط مدّا ونصفا ، قال أصحاب الشافعي : نفقة الزوجات متفاوتة ومقدرة بالمد ، ومعينة الجنس وهو الحبّ ، فهذه ثلاث دعاوى :
أما أصل التفاوت فدليله قوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ).
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٢٨٤) ، ٢٧ ـ كتاب الأيمان ، ١٠ ـ باب إطعام المملوك ، حديث رقم (٤١ / ١٦٦٢).
(٢) القاضي أبو الحسين بن الفراء البغدادي الحنبلي ، كان مفتيا مناظرا عارفا بالمذهب ودقائقه ، صلبا في السنة كثير الحط على الأشاعرة توفي سنة (٥٢٦ ه) انظر شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد (٢ / ٧٩).