فقال الشافعي رضي الله عنه : عليهما الفدية مع القضاء. وقال أبو حنيفة : ليس عليهما إلا القضاء.
وحجة الشافعية أنهما داخلان في منطوق الآية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) لأنهما لا يطيقان فتجب عليهما الفدية.
وأبو حنيفة جعلهما في حكم المريض ، انظر إلى قول الحسن البصري : أي مرض أشدّ من الحمل؟ يفطران ويقضيان ، ثم قال أبو حنيفة : فرق بينهما وبين الشيخ الفاني ، لأنه لا يمكن إيجاب القضاء عليه ، لأنه إنما سقط عنه الصوم إلى الفدية لشيخوخته وزمانته ، فلن يأتي عليه يوم يكون أقدر على الصوم من أيام رمضان التي أفطر فيها.
أما الحامل والمرضع فهما من أصحاب الأعذار الطارئة المنتظرة الزوال ، فإن زال عذرهما فعليهما عدة من أيام أخر ، وإن لم يزل كانا كالمريض الذي لم تزل علته ، على أنهما لا يمكن إيجاب الفدية عليهما مع إيجاب القضاء ، لأنّه يكون جمعا بين البدل والمبدل ، وهو غير جائز ، لأن الفدية بدل الصوم.
(طَعامُ مِسْكِينٍ) هو نصف صاع من برّ (١) ، أو صاع (٢) من غيره عند أبي حنيفة ، وليس عليه عنده غير ذلك ، قال الثوري (٣) : يطعم ، ولم يذكر مقدارا.
وروى المزني (٤) عن إمامه الشافعي أن الفدية مدّ ، وقال ربيعة (٥) ومالك : لا أرى عليه الإطعام ، وإن فعل فحسن.
(فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) اختلف في تأويله ، قال بعضهم : معناه من تطوّع بالزيادة على مسكين واحد فهو خير له ، وقال بعضهم : من تطوّع بالزيادة في مقدار الفدية على المسكين الذي أعطاه وقال الزهري (٦) : من تطوّع بالصيام مع الفدية فهو خير له.
(وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٨٤] قيل : إنّه خطاب مع الذين
__________________
(١) البر : القمح.
(٢) الصاع : أربعة أمداد.
(٣) سفيان بن سعيد بن مسروق من مضر ، أمير المؤمنين في الحديث ، انظر الأعلام للزركلي (٣ / ١٠٤).
(٤) إسماعيل بن يحيى تلميذ الشافعي ، وأحد المصنفين في مذهبه من أهل مصر ، انظر الأعلام للزركلي (١ / ٣٢٩).
(٥) ربيعة بن فروخ المعروف بربيعة الرأي ، فقيه من المدينة كان بصيرا بالرأي ، انظر الأعلام للزركلي (٣ / ١٧).
(٦) محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري أول من دوّن الحديث تابعي من أهل المدينة ، انظر الأعلام للزركلي (٧ / ٩٧).