مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وهذا كله على قراءة (يُطِيقُونَهُ) مضارع من الإطاقة. وسنعود إليها بعد الكلام على القراءات الأخرى. فقد قرئ (يُطِيقُونَهُ) بتشديد الياء بعد الطاء. وقرئ يطوقونه بالواو بدل الياء ، ومعناه : يجشّمونه ، أي : يتحمّلونه بمشقة ، وقالوا : المراد بهم الشيخ والشيخة الفانيان يفطران ويفديان ولا يقضيان.
والآية على هاتين القراءتين لا نسخ فيها أصلا فالناس ثلاثة أحوال :
١ ـ الأصحاء المقيمون ، ويلزمهم الصوم عينا في رمضان.
٢ ـ والمرضى والمسافرون ، ولهم الفطر إن أرادوا ، وعليهم إن أفطروا أيام أخر.
٣ ـ وقوم لا يقدرون على الصوم ، وفيه ضرر ، فهؤلاء يفدون.
ولنرجع إلى القراءة الأولى (يُطِيقُونَهُ) : لما كان الظاهر منها ما ذكرنا. قال بعض المفسرين : إن الآية على إضمار حرف النفي ، وتقديره ـ والله أعلم ـ وعلى الذين لا يطيقونه فدية ، وتكون الآية حينئذ في معنى القراءتين الأخريين.
ويرى بعضهم أن هذا في شأن المرضى والمسافرين فهم قسمان :
القسم الأول لا يقدر على الصيام ، وهذا يجب عليه الفطر والقضاء في أيام يقدر على الصوم فيها.
والقسم الثاني يقدر على الصوم ، فهؤلاء يرخّص لهم في الفطر لمكان السفر والمرض ، وعليهم الفدية.
وقال بعضهم : إنّها نزلت في حق الشيخ الفاني ، وتقريره من وجهين :
أحدهما : أن الوسع فوق الطاقة ، فالوسع اسم للقدرة على الشيء مع السهولة ، يقال : في وسع فلان أن يفعل كذا وفلان يسعه أن يفعل كذا ؛ إذا كان يقدر عليه مع السهولة. أمّا الطاقة فهي اسم للقدرة على الشيء مع الشدة والمشقة ، يقال : فلان يطيق كذا ، أي أنه آخر ما في طوقه وقدرته ، فمعنى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) الذين يقدرون عليه مع الشدة والمشقة ، وعلى هذا فلا نسخ في الآية ، وحكمها باق ، قاله الفخر الرازي.
الوجه الثاني : حمل هذه القراءة على القراءة الشاذّة ، وهو قريب من الأوّل ، وأصحاب هذا الرأي قد اختلفوا ، فقال جماعة منهم السدي : إنّها في الشيخ الهرم ، أي الذي لا يرجى أن يأتي عليه في عمره أيام يقدر فيها على الصوم ويطعم لكل يوم مسكينا.
وقال آخرون : إنّها تتناول الشيخ الهرم والحامل والمرضع ، سئل الحسن البصري عن الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما ، فقال : أيّ مرض أشدّ من الحمل؟ تفطر وتقضي.
ثم إنهم أجمعوا على أنّ الواجب على الشيخ الهرم الفدية ، أما الحامل والمرضع