ثم إنّ العلماء قد اختلفوا في المسافر والمريض : ماذا يلزمهما في رمضان؟
ذهب جماعة من علماء الصحابة رضوان الله عليهم : إلى أن الواجب عليهما الفطر ؛ وصيام عدة من أيام أخر ، وهو قول ابن عباس ، وابن عمر ، حتى روي عنه : أن المسافر إذا صام في السفر قضى في الحضر.
وذهب أكثر الفقهاء إلى أن الإفطار رخصة ، فإن شاء صام وإن شاء أفطر ، وحجّة الأولين ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام : «ليس من البرّ الصّيام في السّفر» (١) ، وقوله عليه الصلاة والسلام : «الصّائم في السّفر كالمفطر في الحضر».
وأما الجمهور فقد قالوا : إن في الآية إضمارا تقديره : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر ، فعليه عدّة من أيام أخر ، وهو نظير قوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ ..) [البقرة : ٦٠] وقوله تعالى : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ) إلى قوله : (أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة : ١٩٦] التقدير في الأوّل (فضرب) فانفجرت ، والثاني (فحلق) ففدية.
وأيضا فقد روى أبو داود في «سننه» عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن حمزة الأسلمي سأل النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، أفأصوم في السفر؟ فقال عليه الصلاة والسلام : «صم إن شئت ، وأفطر إن شئت» (٢).
وقد ثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم بالخبر المستفيض (٣) أنه صام في السفر رواه ابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله ، وأبو الدرداء ، وسلمة بن المحنّف.
وأما ما روي من قوله : «ليس من البرّ الصّيام في السّفر» فإنّه كلام خرج على حال مخصوصة ، وذلك ما رواه شعبة من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه رأى رجلا يظلّل عليه ؛ والزّحام عليه شديد ، فقال : «ليس من البر الصيام في السفر» (٤). فمن سمع وذكر الحديث ذكره مع سببه ، وبعضهم اقتصر على ذكر الحديث.
__________________
(١) سيأتي تخريجه.
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٢ / ٢٩١) ، ٣٠ ـ كتاب الصوم ، ٣٣ ـ باب الصوم في السفر حديث رقم (١٩٤٣) ، ومسلم في الصحيح (٢ / ٧٩٠) ، ١٣ ـ كتاب الصيام ، ١٧ ـ باب التخيير في الصوم حديث رقم (١٠٧ / ١١٢١) وأبو داود في السنن كتاب الصوم ، باب الصوم حديث رقم (٢٤٠٢).
(٣) انظر ما رواه مسلم في الصحيح (٢ / ٧٨٤ ـ ٧٨٧) ، ١٣ ـ كتاب الصيام ، ١٥ ـ باب جواز الصوم والفطر حديث رقم (٨٨ / ١١١٣) و (٩٠ / ١١١٤) و (٩٣ / ١١١٦) و (٩٨ / ١١١٨).
(٤) رواه البخاري في الصحيح (٢ / ٢٩٢) ، ٣٠ ـ كتاب الصوم ، ٣٦ ـ باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم حديث رقم (١٩٤٦) ، ومسلم في الصحيح (٢ / ٧٨٦) ، ١٣ ـ كتاب الصيام ، ١٥ ـ باب جواز الصوم والفطر حديث رقم (٩٢ / ١١١٥).