واستدلّ بالآية أيضا على قبول خبر الواحد العدل ، وتقرير الاستدلال بها من وجهين :
الأول : أنه قد رتب الأمر بالتبين على مجيء الفاسق لنبأ ، فيفيد ذلك أن الفسق علة للتبين ، ومعنى كون الشيء علة لشيء آخر ، أن يكون له تأثير في وجوده ، لا يوجد إلا معه ، وإلا فلو وجد دونه لما كان علة له ، والفرض أنّه العلة.
وقد رد هذا بأنّ إثبات العلية بطريق ترتّب الحكم على الوصف إثبات بظني ، ولا ينهض حجة في إثبات أصل من الأصول ، ولأنّ الاقتصار على شيء لا ينفي ثبوت الحكم فيما عداه.
والثاني أن التبين مشروط بمجيء الفاسق ، ومفهوم هذا الشرط انعدام الأمر بالتبين عند عدم الشرط ، فيثبت انعدام التبين في خبر الواحد العدل فيكون مقبولا ، وهو مردود ، بأنّ ذلك قول ناشىء من اعتبار مفهوم المخالفة حجة ، وهو مختلف فيه ، فلا يثبت به أصل من الأصول ، لأنّ الظواهر لا تكفي في إثبات المسائل العلمية.
واستدل الحنفية بالآية على قبول خبر الواحد المجهول الحال ، لأنّها دلت على أنّ الفسق شرط وجوب التثبت والتبين ، فيقتصر فيه على محل وروده ، ويبقى ما وراءه على الأصل ، وهو القبول.
وأنت ترى أنّ هذا استدلال مبني على أنّ الأصل العدالة. والخصم ينازعهم فيه ، ويقول : بل الأصل عدمها ، والظاهر أنّ مسألة قبول المجهول مبنية على هذا ، فإن صحّ أنّ الأصل العدالة ، فهو باق على عدالته ، حتى يتبين خلافها ، وإن كان الأصل عدمها ، فهو داخل في الفسق ، ويكون المراد منه من لم تتبيّن عدالته.
واستدلّ بالآية أيضا على أنّ من الصحابة من ليس بعدل ، لأن الله تعالى أطلق الفاسق على الوليد بن عقبة ، فإنّها نزلت فيه ، وسبب النزول لا يمكن إخراجه من اللفظ العام ، وهو صحابي بالاتفاق ، وتكون الآية ردّا على قول من ذهب إلى أنهم كلهم عدول ولا نبحث عدالتهم في رواية ولا شهادة.
والمسألة خلافية ، وفيها أقوال كثيرة :
أحدها ، هذا وعليه أكثر العلماء سلفا وخلفا.
والثاني : أنّهم كغيرهم ، فيبحث على العدالة فيهم كما يبحث عنها في غيرهم رواية وشهادة ، إلا من يكون ظاهر العدالة أو مقطوعها كالشيخين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.
وثالثها : أنهم عدول إلى زمن عثمان ، ويبحث عن عدالتهم من مقتله.
ورابعها : أنهم عدول إلا من قاتل عليا والمسألة لها موضع غير هذا ، ولكل أدلته وبراهينه.