لقد حكى القرطبي الإجماع على ذلك ، وذلك عملا بما يقتضيه الأمر (صَلُّوا) من الوجوب ، وتكون الصلاة والسلام في ذلك ككلمة التوحيد
، وذلك أنك تعلم أنّ الصحيح أنّ الأمر لا يقتضي التكرار ، وإنما هو للماهية المطلقة
عن قيد التكرار والمرّة ، وحصوله بالمرة ضرورة من ضرورات الحصول.
وذهب بعضهم إلى
القول بوجوب
الصلاة والتسليم في التشهد ، وقيل : هي واجبة في الصلاة من غير قيد بمكان. وقيل : يجب الإكثار منها من غير تقيّد بعدد ، وقيل : تجب في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره فيه ، وقيل : تجب كلما ذكر.
ولعل هذا القول
من قائليه مبنيّ على أنّ الأمر يفيد التكرار ، ولعلهم يستدلون بالأحاديث الترغيبية
والترهيبية الواردة في فعلها وتركها ، وأنت لو اطلعت على هذه الأحاديث لفهمت من
صيغتها أنّها لمجرد الترغيب ، وأنّها ككل الحسنات تتضاعف ، انظر إلى قوله صلىاللهعليهوسلم : «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه عشرا» و «من صلّى عليّ عشرا صلّى الله عليه مائة» فإنك واجد أنّه متفق مع قوله
تعالى : (مَنْ جاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] وما قال أحد إلا أن هذا ترغيب في الإحسان.
وعلى كلّ
فالآية لا دلالة لها إلا على الوجوب مرة ، فمن زاد على هذا فعليه الدليل ، ونحن
لما يدل عليه ملتزمون.
وأخيرا فليلتمس
القائلون بغير ما تدل عليه الآية دليلهم في غيرها ، فإن قام دليل على وجوب الصلاة
والسلام في التشهد وجب ، وإن دلّ على ختام الصلاة وجب ، وإلا فالآية بمنأى عن هذا
كله.
قال الله تعالى
: (إِنَّ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ
وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧)) هذا عود إلى تأكيد النهي عن أذى النبي صلىاللهعليهوسلم ، بعد الأمر بالصلاة والتسليم عليه اقتضته العناية
الكاملة بشأن الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وقد قيل : إنّ
المراد بأذى الله ورسوله ارتكاب ما لا يرضيانه من الكفر والعصيان ، وقيل : بل إيذاء الله تعالى : ما يكون من قبيل قول اليهود والنصارى يد الله مغلولة
، والمسيح ابن الله ، وعزير ابن الله ، وجعل الأصنام شركاء لله ، وإيذاء الرسول : انتقاصه بوصفه بالشّعر والسّحر والجنون. وقيل : إيذاء
الرسول صلىاللهعليهوسلم المراد هنا هو ما كان من طعنهم في نكاح صفية بنت حيي ،
إلى غير ذلك ، ولا مانع أن يكون كلّ ذلك مرادا.
__________________