فقيل : الصلاة من الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه ، هو مروي عن البخاري عن الربيع بن أنس ، ثم تعظيم الله له في الدنيا بإعلاء ذكره ، وإظهار دينه ، وإبقاء العمل بشريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته ، وإجزال الأجر والثواب له ، وإعطائه المقام المحمود. وهل من الملائكة الدعاء له. وقيل : هي من الله الرحمة ، ومن الملائكة الدعاء.
وعلى القولين : فالصلاة من الله غير الصلاة من الملائكة ، وقد عبّر عنها بلفظ واحد أضيف إلى واو الجماعة (يُصَلُّونَ) فمن ذهب إلى منع الجمع بين الحقيقة والمجاز ذهب إلى أنّ في الآية حذفا تقديره هكذا : إنّ الله يصلّي ، وملائكته يصلون ، فتكون واو الجماعة خاصّة ، وذهب بعضهم إلى أنّ تعدّد الفاعل مؤذن بتعدّد الفعل ، فيكون الفعل مسندا إلى كلّ من الفاعلين.
وذهب جماعة إلى القول بأنّه من باب عموم المجاز ، لا من الجمع بين الحقيقة والمجاز ، فيقدّرون معنى مجازيا عاما ، ينتظم أفرادا كثيرة ، ويكون كلّ فرد منها فردا حقيقيا من أفراد المعنى المجازي للعام ، ويقولون : إنّ هذا المعنى العام هو الاعتناء بالمصلّى عليه ، وهذا الاعتناء له أفراد ، فهو يكون من الله على وجه ، ويكون من الملائكة على وجه آخر.
وأما صلاة المؤمنين عليه ، فهي تعظيمهم لشأنه ، وذلك يكون بوجوه كثيرة : منها الدعاء له باللفظ الوارد في ذلك ، وقد جاءت كيفية الصلاة عليه من المؤمنين من طرق كثيرة ، وفيها صور من الصلاة مختلفة ، واختلافها يشعرك بأنّ الغرض ليس تحديد كيفية خاصّة ، وإنما هي ألوان من التعظيم ، وسنقتصر على بعض ما صحّ من هذه الكيفيات لأنّ استيعابها يطول.
روى الشيخان (١) وغيرهما عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك؟ قال : «قل اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد».
وأخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم وغيرهم (٢) عن أبي حميد الساعدي أنهم
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٣٠٥) ، ٤ ـ كتاب الصلاة ، ١٧ ـ باب الصلاة على النبي حديث رقم (٦٦ / ٤٠٦) ، والبخاري في الصحيح (٦ / ٣٢) ، ٦٥ ـ كتاب التفسير ، ١٠ ـ باب (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ ...) حديث رقم (٤٧٩٨).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٣٥٦) ، ٤ ـ كتاب الصلاة ، ١٧ ـ باب الصلاة على النبي حديث رقم (٦٩ / ٤٠٧) ، والبخاري في الصحيح (٧ / ٢٥٢) ، ٨ ـ كتاب الدعوات ، ٣٢ ـ باب الصلاة على النبي حديث رقم (٦٣٦٠) ، ومالك في الموطأ (١ / ١٦٥) ، وأحمد في المسند (٥ / ٤٢٤).