استثنى الله ممن لا يصح أن تبدي لهم المرأة زينتها الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء. وقد علمت أنّ عدم الظهور على عورات النساء له معنيان : فعلى المعنى الأول لا ينبغي للمرأة أن تظهر شيئا من زينتها الباطنة للمراهق الذي لم يبلغ الحلم ، لكنه يعرف عورة النساء ، ويميز بين ما للرجل وما للمرأة ، ويلحق به من كان قريبا من المراهقة إذا كان يميز بين العورة وغيرها ، ويستطيع أن يحكي ما يراه ، وعلى المعنى الثاني لا يحرم على المرأة أن تبدي زينتها لمن دون المراهقة ، ولا للمراهق أيضا إلا إذا كان فيه تشوّق للنساء ، والأمر على المعنى الثاني أوسع في الإباحة منه على المعنى الأول.
ويؤيد المعنى الأول أنّ الطفل مأمور بالاستئذان فى أوقات ثلاثة بيّنها الله تعالى بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) [النور : ٥٨]. ولا شك أن المأمور بذلك من الأطفال إنما هو الطفل الذي يعرف عورات النساء ، ويخشى من دخوله في هذه الأوقات التي هي مظنة اختلال التستر أن يحكي ما يراه ، ويصف ما يقع عليه بصره ، سواء أكان مراهقا أم لا ، فالطفل المأمور بالاستئذان في الأوقات الثلاثة ، هو الذي يعرف العورة وهو الذي ينبغي للمرأة ألا تبدي له شيئا من زينتها ، وعليه يكون المراد بالأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء : الأطفال الذين لا يعرفون ما العورة لصغرهم.
(وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) الضرب بالأرجل الدقّ بها على الأرض في المشي ، والزينة هنا الخلاخل : أي لا يجوز للمرأة أن تدقّ برجليها في مشيتها لتسمع الناس صوت خلاخلها ، فإنّ ذلك يحرك في قلوب الرجال الشهوة ، ويدفعهم إلى التطلع إليها ، ويحملهم على أن يظنوا بها ميلا إلى الفسوق ، وإذا كان السبب في تحريم هذا الفعل هو ما يؤدي إليه من الفتنة والفساد ، كان كلّ ما في معناه مما يجر إلى الفتنة والفساد ملحقا به في التحريم ، كتحريك الأيدي بالأساور ، وتحريك الجلاجل في الشعر. فالتنصيص في الآية على الضرب بالأرجل ليس لقصر النهي عليه ، بل لأنّ هذا هو ما كان عليه نساء الجاهلية ، فقد كانت إحداهنّ تمشي في الطريق ، حتى إذا مرت بمجلس من مجالس الرجال وفي رجلها خلخال ضربت برجلها الأرض ، فصوّت الخلخال. فنهى الله سبحانه المؤمنات عن ذلك.
وظاهر الآية أنهنّ منهيات عن الضرب بأرجلهن ، بقصد أن يعلم الناس ما يخفين من زينة ، فيقتضي بمفهومه أنّه لا إثم على المرأة أن تضرب برجلها إذا لم تقصد بذلك تنبيه الناس على زينتها ، ولعلّ هذا غير مراد ، وإنّ تقييد النهي عن الضرب بحالة القصد إنما هو لموافقة سبب النزول ، ومثل هذا لا يعتبر مفهومه.
ويصحّ أن تكون اللام في قوله تعالى : (لِيُعْلَمَ) لام العاقبة ، ويكون المعنى