النسخ على ما سمعت ، لا سيما مع إمكان استعمالها على وجه لا يوجب النسخ في الآية ، ولا يدفع حكم الأخبار ، وذلك بإبقاء الآية على حكمها ، وأن الجلد هو تمام الحد ، وجعل النفي على وجه التعزيز ، ويكون النبي صلىاللهعليهوسلم قد رأى في ذلك الوقت نفي البكر لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، فرأى ردعهم بالنفي بعد الجلد ، كما أمر بشق روايا الخمر ، وكسر الأواني ، لأنّه أبلغ في الزجر ، وأحرى بقطع العادة.
والقائلون بأن النفي من تمام الحد احتجوا بحديث عبادة بن الصامت وقد تقدم ، وفيه تنصيص على أن النفي من الحد ، وقد ورد مثله في قصة العسيف ، وتكرّر ذكر النفي فيها على أنّه من الحد ، ولا مانع من الزيادة على حكم الآية بخبر الآحاد.
على أنّه ليس ذلك زيادة في حكم الآية ، فإنّ إيجاب الجلد المفهوم من الآية مشترك بين إيجاب الجلد مع التغريب ، وإيجابه مع نفي التغريب ، ولا إشعار في الآية بأحد القسمين ، إلا أن عدم التغريب للبراءة الأصلية ، فإيجابه بخبر الواحد لا يدفع حكم الآية ، ولا يزيل إلا محض البراءة الأصلية.
والحاصل أنّ القائلين بالنفي يجعلون الجلد في الآية من قبيل الماهية بلا شرط شيء ، والقائلين بعدم النفي يجعلون الجلد في الآية من قبيل الماهية بشرط لا شيء.
أقوال الفقهاء في حد الذمي المحصن
ترى الحنفية (١) أنّ حدّ الذمي المحصن هو الجلد لا الرجم ، واحتجوا على ذلك بأمور :
١ ـ منها ما رواه إسحاق بن راهويه بسنده عن ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من أشرك بالله فليس بمحصن» (٢) ووجه الدلالة فيه أن الإحصان هنا ظاهر في إحصان الرجم ، فيكون هذا الحديث معارضا لما ثبت من فعله صلىاللهعليهوسلم ، من رجم اليهوديين ، وليس تاريخ يعرف به تقدم أحدهما على الآخر ، فنرجع إلى الترجيح ، والترجيح معنا ، إذ المعلوم أنه إذا تعارض القول والفعل ، ولم يعلم المتقدم من المتأخر ، يقدّم القول على الفعل ، ولأنّ هذا القول موجب لدرء الحد ، والفعل يوجب استيفاءه ، والأولى في الحدود ترجيح الرافع عند التعارض ، لأنّ الحدود تدرأ بالشبهات ، ورجم الذمي حدّ تمكنت فيه الشبهة ، فيجب درؤه.
٢ ـ وإن النعمة في حق المسلم أعظم ، فكانت جنايته أغلظ ، كقوله تعالى في أمهات المؤمنين : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠].
__________________
(١) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١ ـ ٢ / ٣٨٥).
(٢) رواه الدار قطني في سننه (٢ / ٢٥٠ ، ٣ / ١٤٧) ، كتاب الحدود. عن ابن عمر.