الأجزية الثلاثة ، لكن لا في مطلق المحارب ، بل في محارب خاص ، وهو الذي
قتل النفس وأخذ المال ، وهذا هو
الأقرب والأولى ، لأن فيه عملا بحقيقة حرف التخيير ، وبما هو المعقول المؤيد بما وردت به
الشريعة.
وقوله : (وَيَسْعَوْنَ) معطوف على (يُحارِبُونَ) وقوله : (فَساداً) حال من فاعل (يَسْعَوْنَ) بتأويله باسم الفاعل ، أو هو مصدر مؤكّد ل (يَسْعَوْنَ) فإنّه بمعنى يفسدون إفسادا ، فهو مصدر حذفت زوائده ، أو
هو اسم مصدر مؤكد.
وقوله : (أَنْ يُقَتَّلُوا) خبر عن المبتدأ الذي هو (جزاء) والمراد يقتلون حدا ، أي
من غير صلب إن أفردوا القتل ، ولا يسقط القتل حينئذ بعفو الأولياء ، ولا فرق بين
أن يكون القتل بآلة جارحة أو بغيرها ، والإتيان بصيغة التفعيل لما في القتل هنا من
الزيادة باعتبار أنه محتوم لا يسقط ، ولو عفا الأولياء.
وقوله : (أَوْ يُصَلَّبُوا) أي مع القتل إن قتلوا النفس وأخذوا المال.
وقوله : (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) أي إن أخذوا المال لا غير ، (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) إن أخافوا الطريق ، ولم يقتلوا نفسا ، ولم يأخذوا مالا.
وكيفية الصلب
أن يصلب حيا على الطريق العام يوما واحدا ، أو ثلاثة أيام لينزجر الأشقياء ، ثم
يطعن برمح حتى يموت ، وهو مرويّ عن أبي يوسف ، وذكره الكرخي أيضا.
وقيل : يقتل
ويصلّى عليه ، ثم يصلب ، وهو مذهب الشافعية ، والنفي من الأرض هو الحبس عند
الحنفية ، والعرب تستعمل النفي بهذا المعنى كثيرا ، لأنّ الشخص إذا نفي فارق بيته
وأهله ، فكأنّه نفي من الأرض ، وقيل : النفي هو طلبهم عند الفرار ، وعدم تمكينهم
من الإقامة في مكان خاص ، بمعنى أنه إذا طلبهم الإمام ، فإن قدر عليهم أقام عليهم
الحد ، وإن هربوا طلبهم في البلدة التي ينزلون بها ، فإن هربوا إلى بلدة أخرى
طلبهم أيضا ، وهكذا.
وكيفية القطع
أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، سواء أكانوا أخذوا المال من مسلم أم من ذمي ،
بشرط أن يكون المال بحيث لو قسم يخص كل واحد : قدر عشرة دراهم عند الحنفية ، أو ربع دينار عند الشافعية كما في السرقة ، ولم يعتبر الإمام مالك هذا الشرط ، لأنّه يرى إجراء الحكم عليهم بأي نوع من
أنواعه بمجرد الخروج ، ولو لم يقتلوا نفسا ولم يأخذوا مالا.
(ذلِكَ) الذي فصل من الأحكام (لَهُمْ خِزْيٌ) كائن (فِي الدُّنْيا) أي ذل وفضيحة (وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) لعظم جناياتهم ، واقتصر في الدنيا على الخزي مع أنّ لهم
فيها عذابا أيضا ، وفي الآخرة على العذاب مع أن لهم فيها خزيا أيضا ، لأن