مع أصحابه على أنهم إذا قتلوا فقط يقتلون ، وإذا أخذوا المال فقط تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف لا غير ، وإن أخافوا الطريق ولم يأخذوا مالا ولم يقتلوا نفسا ينفون من الأرض.
حجة المالكية ظاهر الآية ، فإنّ الله تعالى ذكر هذه الأجزية بكلمة (أو) وهي موضوعة للتخيير ، كما في كفارة اليمين ، وكفارة جزاء الصيد ، فيجب العمل بحقيقة هذا الحرف ما لم يدل الدليل على خلافه ، ولم يوجد ، فيثبت التخيير.
حجة الشافعية والصاحبين وأكثر العلماء : أنّ الآية لا يمكن إجراؤهما على ظاهر التخيير في مطلق المحارب لأمرين :
الأول : أن العقل يقضي أن يكون الجزاء مناسبا للجناية ، يزداد بازديادها ، وينقص بنقصها ، وقد وردت الشريعة بهذا الذي يراه العقل حيث قال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] فالتخيير في جزاء الجناية القاصرة بما يشمل جزاء الجناية الكاملة ، وفي الجناية الكاملة بما يشمل جزاء القاصرة خلاف المشروع ، يؤيّد هذا إجماع الأمة على أنّ قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال لا يكون جزاؤهم المعقول النفي وحده ، وهو يدل على أنّه لا يمكن العمل بظاهر التخيير.
والثاني : أن التخيير الوارد في الأحكام المختلفة بحرف التخيير إنما يجري على ظاهره إذا كان سبب الوجوب واحدا ، كما في كفارة اليمين ، وكفارة جزاء الصيد ، أما إذا كان السبب مختلفا ، فإنّه يخرج التخيير عن ظاهره ، ويكون الغرض بيان الحكم لكل واحد في نفسه ، وقطع الطريق متنوع ، وبين أنواعه تفاوت في الجريمة ، فقد يكون بأخذ المال فقط ، وقد يكون بالقتل لا غير ، وقد يكون بالجمع بين الأمرين ، وقد يكون بالتخويف لا غير ، فكان سبب العقاب مختلفا ، فلا يحمل ظاهر النص على التخيير ، بل يحمل على بيان الحكم لكل نوع ، فيقتلون ويصلبون إن قتلوا وأخذوا ، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال لا غير ، وينفون من الأرض إن أخافوا الطريق ولم يقتلوا نفسا ولم يأخذوا مالا.
ونظير ذلك قوله تعالى : (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) [الكهف : ٨٦] فإنّه ليس الغرض التخيير ، وإنما المعنى ليكن شأنك مع قومك تعذيب من جحد وظلم ، والإحسان إلى من آمن وعمل صالحا ، فلما اختلف السبب لم تحمل الآية على التخيير ، بل على بيان الحكم لكل نوع.
ويؤيد ما ذهب إليه أبو حنيفة أنّ الآية لا يمكن صرفها إلى ظاهر التخيير في مطلق المحارب ، فإما أن تحمل على ترتيب الأحكام ويضمر في كل حكم ما يناسبه من الجنايات ، وفيه إلغاء حرف التخيير بالمرة ، وإما أن يعمل بظاهر التخيير بين