وأجاب الشافعي بأنه إذا تزوّج الحرة الكتابية ، أو وطئ مملوكته الكتابية ، فهناك نقص واحد ، أما إذا تزوّج الأمة الكتابية فهناك نقصان الرق والكفر ، فظهر الفرق.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) معناه اعملوا على الظاهر في الإيمان ، فإنكم مكلفون بظواهر الأمور ، والله يتولى السرائر ، فالإيمان الظاهر كاف في صحة نكاح الأمة ، ولا يشترط فيه العلم بالإيمان علما يقينيا ، إذ لا سبيل لكم إليه.
(بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) فيه تأويلان :
الأول : أنكم وفتياتكم من جنس واحد ، وكلكم أولاد آدم ، فلا تستنكفوا أن تنكحوا الإماء عند الضرورة.
والثاني : أنكم مشتركون في الإيمان ، والإيمان أعظم الفضائل ، فالتفاوت فيما وراءه لا ينبغي الالتفات إليه. (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] وهذا التأويل يقوّي قول الشافعي إن الإيمان شرط في نكاح الأمة ، وعلى كلا التأويلين الجملة معترضة لتأنيس قلوبهم ، وإزالة النفرة عن نكاح الإماء ، وكانوا في الجاهلية يفتخرون بالأنساب ، ويضعون من شأن الابن الهجين ، فأعلمهم الله بهذه الكلمة أنّه لا فضل لأحد على أحد إلا بالدّين ، وأنه لا ينبغي التخلّق بأخلاق الجاهلية الأولى.
(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) أعيد فيه الأمر ـ مع فهمه مما قبله ـ لزيادة الترغيب في نكاح الإماء ، والمراد بالإذن هنا الرضا ، وبالأهل أهل المولى.
اتفق العلماء على أنّ نكاح الأمة بغير إذن سيدها غير جائز ، عملا بظاهر هذه الآية ، فإنّ قوله تعالى : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) يقتضي كون الإذن شرطا في جواز النكاح ، وإن لم يكن النكاح واجبا كقوله صلىاللهعليهوسلم : «من أسلف فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم» (١) فالسلم ليس بواجب ، لكنّه إذا اختار أن يسلم فعليه استيفاء هذه الشرائط.
وكذلك اتفقوا على أنّ نكاح العبد بغير إذن سيده غير جائز إلا قولا حكيناه فيما سبق عن الإمام مالك ، ونفى بعض علماء المالكية نسبة هذا القول إلى الإمام رضي الله عنه.
وقد روينا لك حديث جابر : «أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر» وقلنا : إن في تنفيذ نكاح الرقيق تعييبا له ، فلا يملكه إلا بإذن مولاه.
والمراد بعدم جواز نكاح الرقيق بغير إذن مولاه عند الشافعي أنه نكاح باطل غير صحيح ، ويشهد له ظاهر الآية والحديث.
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٣ / ٥٩) ، ٣٥ ـ كتاب السلم ، ٢ ـ باب السلم في وزن معلوم حديث رقم (٢٢٤٠) ، ومسلم في الصحيح (٣ / ١٢٢٦) ، ٢٢ ـ كتاب المساقاة ، ٢٥ ـ باب السلم حديث رقم (١٢٧ / ١٦٠٤).