التخصيص ، ولم تنتهض هذه الآية التي معنا حجة مخصّصة! أما أولا : فلأنّها ما دلت على ما ذهب إليه المخالف إلا بمفهوم الشرط ، ومفهوم الصفة ، وهما ليسا بحجة عند الإمام رضي الله عنه.
وأما ثانيا : فعلى تقدير الحجّيّة يكون مقتضى المفهومين عدم الإباحة إذا اختلّ الشرط أو عدمت الصفة ، وعدم الإباحة أعمّ من ثبوت الحرمة أو الكرامة ، ولا دلالة للأعم على ما خص بخصوصه ، فيجوز ثبوت الكراهة عند فقدان الشرط ، كما يجوز ثبوت الحرمة سواء بسواء ، والكراهة أقلّ في مخالفة العمومات ، فتعيّنت ، فقلنا بها.
وقالوا في قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) : إنه ليس بشرط ، وإنما هو إرشاد للإصلاح ، لعموم مقتضى الآيات.
وأجاب الشافعية : بأن هذه العمومات لا تعارض الآية التي معنا إلا معارضة العامّ للخاص ، والخاص مقدّم على العام ، وبأن الحنفية خصصوا عموم هذه الآيات فيما إذا كان تحته حرة ، فقالوا : لا يجوز له نكاح الأمة ، وإنما خصّصت لصون الولد عن الإرقاق ، وهذا المعنى قائم في محل النزاع ، فيجب أن يعطى حكمه ، وهو عدم الجواز ، وبأن صون الولد عن الإرقاق يمنع من نكاح الأمة ، ولكن الآية أباحته لضرورة من خشي العنت ، وفقد الطّول إلى الحرة ، وشرطت أن تكون الأمة مسلمة ، ففيما عدا ذلك يرجع إلى الأصل وهو المنع من النكاح.
روي عن أبي يوسف رحمهالله أنه تأوّل قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) على عدم وجود الحرة في عصمته ، وأن وجود الطول هو كون الحرة تحته ، وعليه يكون المراد بالنكاح في قوله : (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) الوطء ، ويكون التقدير : ومن لم يستطع منكم وطء الحرة. إلخ. والذي لا يستطيع وطء الحرة هو من لا يكون تحته حرة ، فيكون منطوق الآية مساويا لقولنا : ومن ليس تحته حرة فلينكح أمة ، وبذلك تنقلب الآية حجة للحنفية.
قال الفخر الرازي : وجوابه أن أكثر المفسرين فسروا الطول بالغنى ، وعدم الغنى تأثيره في عدم القدرة على العقد ، لا في عدم القدرة على الوطء. اه.
نزيد على ذلك تأويل أبي يوسف رحمهالله مع مخالفته رأي الجمهور من المفسرين لم ينه الإشكال بتمامه ، إذ لا يزال الوصف في قوله تعالى : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) محل خلاف ، وكذلك قوله : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) لا يزال أيضا محل خلاف. ألهما مفهوم يعمل به أم ليس لهما مفهوم؟ ويعود الكلام من أوله ، وتعود الشبهة جذعة :
وللحنفية دليل خاص بجواز نكاح الأمة الكتابية ، وهو قياسها على الحرة والمملوكة الكتابيتين.