وذهب الفقهاء إلى جواز الجمع بينهما بملك اليمين ، أو بزواج من إحداهما وملك الأخرى ، ولا يجوز له إلا وطء إحداهما ، فإذا وطئها حرمت عليه الأخرى ، وحجتهم أنّ الجمع المذكور هنا هو الجمع في النكاح.
ذهب مالك والشافعي إلى أنه إذا طلّق الأخت طلاقا بائنا حلّت له أختها ، ولو لم تخرج من عدتها ، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا تحلّ له أختها حتى تخرج الأولى من عدتها.
ودليل الأولين أنّ الله قد حرم الجمع ، ولا جمع إذا أبان الأولى ، لأنها بإبانتها انتفت الزوجية ، بدليل أنه لا يصح له وطؤها ، وإذا وطئها حدّ.
ودليل أبي حنيفة أن الأولى محبوسة عليه للعدة ، والثانية محبوسة عليه أيضا بالزوجية ، فقد جمع بينهما في الحبس.
والظاهر ما ذهب إليه الإمامان مالك والشافعي ، لأنّ الله حرّم الجمع في الزوجية ، ولا زوجية للبائن.
وقوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) يقال فيه ما قلناه في مثلها قريبا.
(إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) ولذلك لم يؤاخذهم بما كان منهم من الجمع بين الأختين فيما سلف في الجاهلية ، وحكمة تحريم من حرّمن وأبّد تحريمهنّ. إما من النسب ، فإنّه لما اقتضت طبيعة الوجود تكوين الأسرة ، وكانت الأسرة محتاجة إلى الخلطة والمعاشرة ، فلو أبيح من ذكرنا من المحارم ، لتطلعت إليهنّ نفوس محارمهنّ ، وكان فيهنّ طمع ، والخلطة تسهل السبيل ، فيكثر الوقوع في الفاحشة ، والطبائع جبلت على الغيرة ، فيغار الرجل من ابنه على أمه وأخته ، ووقوع الفاحشة يدعو للمنازعات والمخاصمات والشغب وحدوث القتل ، وحجز بعض المحارم عن بعض فيه مشقة وغير متيسر ، فأبّد الله تحريم الزواج بالمحرمات من النسب ليسد باب الطمع ، وإذا سدّ باب الطمع انتفت خواطر السوء ، فلا يقع الفسوق الداعي إلى النزاع والخصام.
ولمثل هذه العلة حرّمت المحرمات من الصهر ، فإنّ المرأة تحتاج أمّها وبنتها أن تزورها في بيت الزواج ، لو لم يجعلا محارم لتطلعت إليهنّ نفس الزوج وكان ما يترتب على ذلك من المفاسد.
وأيضا الضرورة داعية إلى أن يتزوج الأباعد من الأباعد ، لأنّه ليس لكل امرأة قريب ذكر يتزوج بها ، فلو لم تكن هذه الحرمة مؤبدة لشغلت الخطيب الوساوس أن يكون أبوها أو أخوها هتك عفتها ، ولهذه الحرمة المؤبدة يتزوج الرجل امرأة وهو مطمئن إلى عفافها ، وآمن من أن يكون أبوها أو أخوها أو من هو شديد الخلطة بها من أبناء إخوتها سلب عفتها.