وأيضا لما سمى المرضعة أما ، والمرضعة أختا ، فقد نبه بذلك على أنه أجرى الرضاع مجرى النسب ، وقد جاءت السنّة مؤكدة بصريح العبارة لهذا المفهوم ، فقد ثبت أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» (١).
وثبت في «الصحاح» (٢) عن علي أنه قال : قلت يا رسول الله مالك تنوّق في قريش وتدعنا؟
قال : «وعندكم شيء»؟
قلت : نعم ، ابنة حمزة فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنها لا تحلّ لي إنّها ابنة أخي من الرضاعة» وذلك لأنّ ثويبة أرضعت حمزة والنبيّ صلىاللهعليهوسلم.
وظاهر قوله : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) يقتضي أنّ مطلق الرضاع محرّم ، وبذلك قال مالك وأبو حنيفة.
وذهب الشافعي إلى أنه لا تحرّم إلا خمس رضعات ، واستدل بما رواه مسلم (٣) وغيره أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تحرّم المصة ولا المصتان» (٤) «لا تحرّم الإملاجة ولا الإملاجتان» (٥) وبما رواه مالك وغيره عن عائشة قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات ، فنسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهنّ مما يقرأ من القرآن.
وهذا الحديث الأخير لا يصحّ الاستدلال به ، لاتفاق الجميع أنه لا يجوز نسخ تلاوة شيء من القرآن بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولا إسقاط شيء منه ، وهذا الحديث يفيد أنه سقط شيء من القرآن بعد وفاته.
وأما الحديث الأول ، فكان مقتضى مذهب الشافعي أن يحرّم بما زاد على الرضعتين ، لأنه يقول بالمفهوم.
وقد رأى الحنفية أنه لا يجوز تخصيص آية التحريم هذه بخبر الواحد ، لأنها محكمة ، ظاهرة المعنى ، بينة المراد ، لم يثبت خصوصها بالاتفاق ، وما كان هذا وصفه ، فغير جائز تخصيصه بخبر الواحد ولا بالقياس.
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٣ / ٢٠١) ، ٥٢ ـ الشهادات ، ٧ ـ باب الشهادة على الأنساب حديث رقم (٢٦٤٥).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ١٠٧١) ، ١٧ ـ كتاب الرضاع ، ٣ ـ باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة حديث رقم (١١ / ١٤٤٦).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ١٠٧٣) ، ١٧ ـ كتاب الرضاع ، باب في المصة والمصتان حديث رقم (١٧ / ١٤٥٠).
(٤) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ١٠٧٤) ، ١٧ ـ كتاب الرضاع ، ٥ ـ باب في المصة والمصتان حديث رقم (١٨ / ١٤٥١).
(٥) رواه مالك في الموطأ كتاب الرضاع ، باب ما جاء في الرضاعة حديث رقم (١٧).